logo

قبل إسبوعين ونيف من تاريخ كتابة هذه السطور ، وصلت الي مدينة الرنك التي تقع شمال ولاية أعالي النيل ، قافلة تقل مواطنين جنوبيين عائدين من الشمال و تحديداً من الخرطوم.

كان العائدين يقصدون الرنك محطةً أخيرة لهم ، و كانوا كلهم من قبيلة شلو تقريبأ و أغلبهم لديهم منازل ملك حر في تلك المدينة ، أما أولئك الذين لا يمتلكون بيوتاً هناك فقد قاموا بإستئجار منازل حتي قبل وصول أسرهم الي الرنك .

عند وصول القافلة الي الرنك و في محطة زيرو ، رفض محافظ المقاطعة دينق أكوي إستقبال العائدين في مقاطعته ، وأمر القافلة بمواصلة سيرها نحو مدينة ملكال ! ونقل شهود عيان لكاتب هذه السطور ، إن السيد المحافظ ومن معه هددوا بإطلاق النار علي البصات إن لم تغادر الرنك في غضون ثلاث ساعات ، و قال شهود أخرون إن أسرة من ضمن الأسر العائدة كانت قد نقلت متاعها الي منزلها ، أعيدت عنوة الي داخل البص تحت وابل من التهديدات و الإهانات!!

و علي الرغم من أن هذه المعلومات منقولة عن شهود عيان عايشوا الحدث بحذافيرها وقد تعتبر غير كاملة إن لم تعضدها روايات أخري لاسيما الحكومية منها ، الا إن الثابت إن دينق أكوي محافظ الرنك رفض بالفعل إستقبال هولاء العائدين في منطقته و لم يشفع لهم عنده إمتلاكهم منازل خاصتهم ولا أوضاعهم الإنسانية!!

أما السبب عزيزي القارئ فهو إنهم من قبيلة شلو ولا مكان لتلك القبيلة في شمال الولاية ، فتأمل الي أين نحن منقادون!! وقد أضيف بالطبع للحكاية بهارات سياسية لزوم الهضم و الإخراج من قبيل أن العائدين ربما يمثلون خلايا نائمة للحركة الشعبية- الغيير الديمقراطي و ما أدراك ما التغيير الديمقراطي! بل ووصلت التكهنات الي إنهم ربما يخفون بين طيات الأثاث المرافق لهم أسلحة وقنابل!!

علي كل ، إتجهت القافلة في ذات اليوم و رحلت بعيداً صوب ملكال و توارت عن الرنك و عن أنظار المحافظ و حواريه وفي نفوس العائدين غصة و حنق عليهم. و عندما وصلت القافلة مقصدها صباح اليوم الثاني ،إستنكرت سلطات الولاية تصرفات المحافظ أكوي و أمرت بإعادة القافلة الي الرنك بصحبة مسئوليين في الحكومة الولائية .

عندما إجتمع المحافظ دينق أكوي بالوفد الولائي المرافق للقافلة في عودته من ملكال تظاهر بأنه لم يأمر بطرد القافلة من زيرو. و أكد للوفد قبول العائدين في الرنك ، ثم ما لبث إن عاد الوفد الولائي أدراجه الي ملكال حتي بدأت القصة من جديد ، قالوا للعائدين أنتم غير مرحب بك هنا ، أذهبوا الي ملكال!! وهكذا وجد هولاء المساكين أنفسهم معلقين بين ملكال و الرنك وفي دوامة من الممحاكات الغرقاء من المحافظ إنتهت بهم في ملكال رغم أنف الحاكم .

ثمة أسئلة مشروعة تقفز الي الذهن مباشرة بمجرد ملامسة تصرف المحافظ دينق أكوي المقرف هذا ، هل يحق لمحافظ يحكم قطعة من ولاية ما في جنوب السودان أن يمنع مواطنين جنوبيين من الإقامة في مقاطعته؟ خاصة إذا علمنا إن المواطنين المعنيين في حالتنا هذه لا يودون الإقامة في معسكرات و لكن في منازلهم؟

إذا كان الأمر كذلك ، هل يحق لشلو كقبيلة إن تطرد كل من ليس منهم من ملكال مثلاً حتي ولو كان مالكاً لفيلا هناك ؟

ولماذا إذن يزايد بعض السذج علي الإستوائيين في جوبا و نمولي عندما يشتكون من تغول الأخرين علي اراضيهم و مضايقتهم في خدماتهم خاصة الدينكا الذي ينتمي إليها المحافظ أكوي ، إذا كان يوجد في جنوب السودان من يتجرأ و يرفض إستقبال عائدين من الشمال من ابناء جلدته بحجة إنهم ليسوا من القبائل ذات الوجود في منطقته؟

كل هذه الأسئلة مشروعة ، ولكن هنالك سؤال أكثر مشروعية بالنسبة لقراء هذا المنبر ، ماهو موقف إخوتنا الذين طالما ملأونا خلال الشهور الماضية نعيقاً حول ضرورة نبذ القبلية وسودوا الصفحات تلو الصحفات موزعين صكوك الوطنية و تهم الخيانة و القبلية جزافاً !! أين هم من تصرف محافظ الرنك و ما حدث للعائدين ، هل هذا يصنف عندهم يا تري ضمن الأجندة القبلية ، أم سيبحثون له عن المخرج ، و هم الذين لا يعدمون حيلة في التبرير و الإلتفاف حول الحقائق و الوقائع رغم سفورها؟!!

كيمي جيمس أواي

الثلاثاء 3 مايو 20011