مفوضية غير المسلمين في الخرطوم تتحرك في الزمن الضائع!!

نشأت مفوضية رعاية حقوق غير المسلمين في الخرطوم كحل وسط لجدلية وضع العاصمة القومية الشهيرة إبان مفاوضات نيفاشا ، حيث أحتدم الخلاف حينها بين الحركة الشعبية و المؤتمر حول القوانين التي ستحكم بها الخرطوم!

ففي الوقت الذي كانت الحركة الشعبية تري إن الخرطوم كعاصمة قومية لكل السودانيين علي إختلاف مللهم و عقائدهم يجب إن تحكم و تدار...

وفقاً لقوانين علمانية محايدة تحفظ للكل حقوقه ويلتزم الكل أيضاً في إطارها بواجباته الوطنية ، كان غلاة الاسلامويين من أعضاء وفد المؤتمر الوطني المفاوض ، أمثال المحامي عبد الرحمن الخليفة، يصرون علي إن إدارة العاصمة القومية يجب أن يكون وفقاً لقوانين الشريعة الإسلامية ! لأنها بالنسبة إليهم ، عاصمة المشروع الحضاري و عرين الأسد المساهر ابداً علي بيضة الاسلام و العروبة!!

و لكن في نهاية المطاف ، بعد لأي و شد و جذب هنا و هناك ، تواضع الطرفان علي مقترح تقدم بها الوساطة يقضي بتخصيص مفوضية خاصة تعني بصيانة و حماية حقوق غير المسلمين المقيمين في الخرطوم، و ذلك من أجل فك الإشتباك وتجاوز جدلية وضع العاصمة القومية و ايضاً من أجل دفع المفاوضات الي الامام!!

وكان الاسلامويون المتطرفون قد برعوا كعادتهم في تلك الايام ، في نسج دعاية رخيصة روجوها علي نطاق واسع عبر أبواقهم الاعلامية، بان الحركة الشعبية تريد فتح البارات و الملاهي الليلية وبيوت الدعارة في الخرطوم!! وهكذا نجحوا عن طريق الرجرجة و الدعاية الكاذبة في التحويل قضية نبيلة الي قضية دينية عاطفية مفروغة من المحتوي ، و لم تكن أمام الحركة الشعبية حينها الا قبول المقترح و تجاوز نقطة الخلاف من اجل الولوج الي مناقشة أمهات القضايا الرئيسية وإنقاذ المباحثات!!

المهم مفوضية رعاية حقوق غير المسلمين في الخرطوم العاصمة، رات النور في يونيو 2007 ، وإسند رئاستها مباشرة الي البروفيسور جشوا داو ضيو ، و هي مفوضية ذات صفة إستشارية لا تنفيذية ، مهمتها الاساسية التنسيق مع الشرطة و السلطات العدلية أو اي جهة أخري لها علاقة بتنفيذ القانون بشأن كيفية معاملة غير المسلمين عندما يتم تنفيذ القانون!

وعلي الرغم من أن أداء المفوضية وجدت ذات مرة إشادة من الوزير لوكا بيونق ، بل من رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت نفسه ، الا إن الكثير من غير المسلمين بالعاصمة- جلهم من جنوب السودان- يرون ان المفوضية بعيدة تماماً عن همومهم اليومية .

و إنها مقصرة في أداء مهامها ، و تحولت الي جسم ديكوري او مكان للمجاملات لا أكثر ، وذلك بإنهماكها في تنظيم ورش عمل لضباط الشرطة و القضاة في كيفية التعامل مع قضايا غير المسلمين !

وهي ورش لا يطبق المتدربين توصياتها النهائية عندما يعودون الي مواقع أعمالهم ، فيستمرون في جلد وإهانة بائعات الخمور البلدية و ستات الشاي او الفتيات بتهمة الزي الفاضح!

و كمثال ، أمر قاضي في محكمة النظام العام بالكلاكلة اللفة في نوفمبر 2009 بجلد بنت جنوبية قاصر تنحدر من منطقة يامبيو بغرب الاستوائية تدعي سلفا كاشف و تبلغ من العمر 16 سنة بخمسين جلدة بتهمة انها كانت ترتدي تنورة قصيرة عندما ارسلتها والدتها الي السوق لتشتري الخضروات!

وقد إتضح فيما بعد في نهاية المطاف إن التهمة كانت ملفقة من رجل الشرطة الذي اراد تغطية جريمة تحرشه الجنسي بالفتاة في الشارع العام!

القضية حينها شغلت الرأي العام هنا في الخرطوم، خاصة إنها وقعت بعد قضية الصحافية لبني أحمد حسين مباشرة، و تناولتها وسائل الاعلام المحلية و العالمية باهتمام بالغ ، و تحرك الجميع لمناصرة سلفا الا رئيس مفوضية رعاية حقوق غير المسلمين المحترم جشوا داو الذي تعلل عندما سئل بواسطة الصحافيين ، بانه لم يتلق شكوي من الفتاة او من أسرتها تفيد بوقوع الحادثة!!

و هناك العديد من الشكاوي ترقد الان منذ ثلاث سنوات في أضابير و ارفف مكاتب المفوضية ، تقدم بها جهات متضررة ممارسة الشرطة او المحليات ، لا سيما الكنائس التي ترفض السلطات او تماطل في منحها تصاديق جديدة للبناء او حتي للصيانة الكنائس الايلة للسقوط ، بل تتغول علي أراضيها بجبروت القوة كما حدث في مقابر الصحافة للمسيحيين !

الجديد أيها الناس هذه المرة ، هو إن جشوا داو ضيو أطل علينا قبل يومين في الاعلام يبث بشري سارة لغير المسلمين في الخرطوم !

فقد قال الرجل إن رئاسة الجمهورية وجهت مفوضيته للعمل من أجل دراسة و مراجعة القوانين التي تنتهك حقوق غير المسلمين في الخرطوم !

وقال سيادته إن المفوضية المؤقرة إقترحت تعديل إثني عشر مادة في قانون النظام العام من بينها المادة التي تتحدث عن الزي الفاضح! مضيفاً بفخر إنهم طالبوا بتحديد هذا الزي الفاضح حتي لا يتضرر بناتنا عند تطبيق القانون!!

إنتهي كلام الرجل ولا تعليق عندي سوي إن الزمن حقاً هو زمن الترويج للوحدة الوطنية و إن المؤتمر الوطني حقاً يسابق الزمن و يريد خطف ود الجنوبيين باي ثمن ! ولكن هيهات و لات ساعة مندم!!

كيمي جيمس أواي

31\8\2010