logo

schoolالشهادة الثانوية عام 2011 نموزجاً

هذه واحدة من المجالات التي يجب تكون معالجتها بالدراسة العلمية الدقيقة المتأنية، البعيدة عن السياسة حتي لا يتبخر في الهواء مستقبل جيل كامل من ابناء بنات جنوب السودان عندما يقع الإنفصال السنة المقبلة فيجدون أنفسهم بلا مدارس أو منهج تؤهلهم لإرتياد الجامعة!

عملياً سيكون إمتحان الشهادة الثانوية السودانية في مارس القادم أخر إمتحان شهادة ثانوية موحد في السودان، هذا طبعاً إذا إختار الجنوبيون خيار الإنفصال في الاستفتاء الذي من المتوقع إن ينطلق في شهر يناير القادم ، و هو خيار ، أي الإنفصال بات شبه محتوم بسبب المعطيات الراهنة علي ارض الواقع!!

حينها ستكون علي وزارة التربية و التعليم في الدولة الجديدة الناشئة إدارة إمتحاناتها بطريقة منفصلة وفقاً لمناهج منفصلة خاص بها يفترض ان يكون تم إعدادها من الان أو علي أسوأ الفروض يتم إعدادها من الان فصاعداً.

هنالك تعقيدات تربوية و إشكالات تعليمية كثيرة ستطفو علي السطح في الجنوب ساعة الانفصال، ففضلاً عن الاعداد المهولة من طلاب الثانوية و مرحلة الاساس من ابناء الجنوب المنتشرين في مدن الشمال – لا توجد إحصائية رسمية- فان هنالك إشكالية اللغة التي ستتم بها التدريس عندما يتم إعادتهم و إدماجهم في مدارس الجنوب بعد الانفصال ، حيث إن التعليم في شمال السودان كما هو معروف يتم باللغة العربية بينما يعتمد جنوب السودان الإنجليزية كلغة رسمية للتعليم كما جاء في نص دستور جنوب السودان الانتقالي .

و هنالك أيضاً مشكلة المدارس التي ستستوعب هذا كم الهائل من هولاء الطلاب ، علاوة علي عدم وجود العدد الكافي من المدرسين المؤهلين لقيادة هذه العملية التربوية المعقدة في مثل هذا الظرف الصعب ، وقد يتحول الامر الي فوضي تربوية عارمة تؤدي الي ضياع جيل كامل ان لم يحسن ادارتها من السلطات المعنية في حكومة الجنوب.

خلال الفترة التي أعقبت توقيع إتفاقية السلام الشامل و تلك التي سبقت قيام الانتخابات الاخيرة التي جرت في ابريل الماضي عادت الاف من الاسر الجنوبية الي مناطقهم الاصلية في الوطن ، قادمين من الشمال ومن دول المهجر و اللجؤ المجاورة و البعيدة ، ملبين دعوة السلطات للمشاركة في التسجيل للإنتخابات.

وقد قامت منظمة الهجرة الدولية مسنودة من مكتب المفوض السامي لشئون اللأجيئن التابع للأمم المتحدة و بالتعاون مع حكومة الجنوب مشكورين بنقل الجزء الأكبر من هولاء العائدين الي وجهتهم الاخيرة في الجنوب.

لكن هذه العودة الكبيرة لم يقابلها علي الارض خطة مدروسة او إستعدادات ملموسة لإستقبال العائدين و إيوائهم بالطريقة التي تليق بكرامتهم كمواطنين لبوا نداء الوطن.

و قد أثبتت التجربة فيما بعد إن حملات العودة الطوعية في تلك الفترة كانت سياسية اكثر منها خطة مدروسة دراسة علمية مؤسسة علي ارقام و حقائق الواقع .

حملة سياسية إستخدم فيها الدعاية ذات الجرعة الوطنية العالية لغدغة مشاعر الجنوبيين في الشمال من اجل العودة الي الديار ، وقد إضطر القائمين علي التعبئة في بعض الاحيان الي شحن المواطنين بالكذب و زينوا لهم واقعاً غير موجود علي الارض، لذلك كان طبيعياً رد فعل بعض العائدين حينها عندما قال لي أحدهم انه يفضل ان يعود الي بيته في حي مانديلا – احد أحياء البؤس في الخرطوم – من أن يظل في ملكال بلا مأوي و لا عمل و لا مدرسة لاولاده.

ضاقت المدارس حينها بما رحبت ، في مدن الجنوب الكبيرة والصغيرة و في القري، و حدث ضغط كبير علي الخدمات الصحية الشحيحة أصلاً جراء تدفق العائدين ، وفي نهاية المطاف قرر عدد كبير من العائدين ان يعودوا ادراجهم الي الشمال حتي قبل إن يشاركوا في الانتخابات، بينما فضلت شريحة أخري منهم ان تصبر و تتكيف مع الاوضاع .

و قد مثلت العودة العكسية الي الشمال حتي الان مادة دسمة من صحافة الخرطوم الناقمة من حكومة الجنوب و من الحركة الشعبية و تلك المعادة لفكرة الانفصال ، تنطلق منها لنقد سياسات الجنوب و إتجاهه نحو تكوين دولته المستقلة ، بينما لا يستطيع تامين مستقبل العائدين من ابنائه الي اراضيه!!

الأن تجري الاستعدادات علي قدم و ساق لإطلاق مثل هذه الحملة من أجل المشاركة في الاستفتاء خاصة و ان الحركة الشعبية تفضل تقليص عدد مراكز الاقتراع في الشمال لقطع الطريق امام المؤتمر الوطني حتي لا يزور نتائج هذه المراكز.

ولكن عودة الجنوبيين هذه المرة ربما كانت عودة نهائية بلا رجعة للوراء لذلك ، ستكون علي الحكومة هناك تامين مستقبل أبناء العائدين من الشمال تعليمياً ضمن إستعدادات و أشياء أخري كثيرة تتطلبها المرحلة القادمة.

فلا يكاد يوجد اليوم في جنوب السودان منهج دراسي موحد يمكن الاعتماد عليه في ارساء قيم تربوية ويحقق الغرض من العملية التعليمية ، وكما هو معلوم فان إعداد المنهج التربوي عمل فني يتطلب جهد ووقت و أموال طائلة وقد إستغرق إعداد و طباعة منهج السودان الجديد الذي يدرس الان في بعض مدارس الجنوب ما يربو علي السنتين و تمت طباعته في احدي الدول الافريقية المجاورة ، و لا تزال بعض المدارس في المناطق النائية تشتكي من عدم رؤيتها للمنهج ناهيك عن تدريسه للتلاميذ!!

فكيف سيجلس إخوننا و إخواتنا طلاب الشهادة الثانوية في الجنوب لامتحانات عام 2011 ، و باي منهج ولغة ، وهل وزارة التربية و العلوم و التنكولوجيا في حكومة الجنوب تعي هذه التحديات و بدأت في إعداد المنهج او وضع البدائل المناسبة حتي لا نتفاجأ في الغد القريب بشئ كان معلوماً ، وكان بالامكان تفاديه؟

هذه لفتة لإختصاصي التربية الجنوبيون حتي يثروا الحوار حول الموضوع...

كيمي جيمس أواي

29\8\2010