(4 ) موقع الإستراحة التي كنا نستريح فيها قبالة إستاد ملكال الرياضي ,هذا الإستاد تم إعادة ترميمه في العام 2008 إحتفالاً بأعياد السلام والذي خاطبه الرئيس السوداني عمر البشير والرئيس سلفاكير ، والسبب الذي جعلنا نزوره هو إفتتاح الموسم الرياضي الجديد الذي خاطبه حاكم الولاية سايمون كون مشيراً إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه الرياضة في توحيد شعب أعالي النيل و بلادنا كلها– في الجانب الآخر من حديثه تعهد سعادته بدعم الأنشطة الرياضية في ولايته للنهوض بها للمستوى التي تجعلها تنافس في البلاد ، وفي المبارة الذي جمع بين الأهلي بم وهلال ملكال إنتهى لصالح الأهلي بم بهدفين مقابل هدف يتيم للهلال ، وكانت تظاهرة شعبية صاحبتها عروضٌ للتراث المحلي لقبائل الشلك والنوير والدينكا بين فقرات المباراة هذا ما يخص المباراة – الإستاد به إضاءة في جميع زواياه – لافتات الأنتخابات العامة ما تزال معلقة حيث تقول إحدى اللافتات " إنتخبوا الرفيق سلفاكيرميارديت" هذه هي اللافتة الوحيدة الكبيرة أمام مدخل الإستاد بجانب صورة غير واضحة لمرشح الحركة الشعبية لمنصب الحاكم والذي يحكم الآن سايمون كون – هذا جزء من مظاهر تلك المعالم الجديدة في المدينة – ودخان من الغبار يخرج من هنا وهناك حتى ان الشارع الذي يمر بالإستاد يزعج المارة والساكنين بجوار الإستاد .
(5 ) أريد أن أخرج قليلاً من ملكال لأن رواياتي عن ملكال قد لا تنتهي في ليلة وضحاها ففرصة أربعة أيام ليست بسيطة بالنسبة للصحفيين وسأحتفظ ببعض القصص سراً أحكيها لنفسي وقت خلوتي الشخصية ؛حيث لا أريد أن أشرك الآخرين عذراً أحبائي القراء ، سأحرمكم من هذه القصص بعض الشيء.
نحن نتوجه الآن إلى عمودية (فنيدوي ) في مقاطعة فنيكانق إلى الجنوب من المدينة تماماً على ضفاف السوباط ، وكلمة (فنيدوي) بلغة مملكة (شلو) تعني ( أرض القمر ) وهذه منطقة صديقي العزيز بوي جون, و الذي يزورها في المرة الثانية أما أنا فهي الأولى لي التي أزور فيها هذه العمودية التي أقيمت فيها أكثر الإرساليات الكنسية قدماً في التاريخ ،وأذكر أن الأستاذ قبرييل جوزيف شدار بإذاعة (مرايا) هاتفني من جوبا وقال لي :لاتحرم نفسك من زيارة منطقة الإرسالية الكنسية القديمة" وهذا الكلام كان في خطتنا بالفعل ؛تقع دوليب هيل على الضفة الشمالية لنهر السوباط ,وتبعد عن ملكال بمسافة (10 )ميل, والذي يساوي (16 ) كيلو متر عبرنا هذه المسافة بـ(27 ) دقيقة لوعر الطريق المؤدي إلى هناك حيث بدأ الطريق في إنعراج خطير قال السائق :أن هذه الغابة قليلة الأشجار ليست فيها إلا الحيوانات الصغيرة متواجدة بشكل طبيعي ,وهذا لم يخيفني كثيراً رغم إنني أخاف ملك الغابة – في الوقت الذي لم يتاح ليَ في طفولتي التي قضيتها في مقاطعة تويج بولاية واراب من رؤية هذا الملك عدا في حدائق الحيوان في العاصمة السودانية الخرطوم – لا أريد الحديث عن ذلك كثيراً فقط رغبتُ مشاركتم القصة حتى يتضح لكم كيف هو الطريق المؤدي إلى منطقة دوليب هيل ، نحن الآن في المحطة الرئيسية ومنها ستواصل السيارة السير حتى منطقة أعشاب النيل – تجولنا قليلاً في السوق وقد أنضم إلينا زميلنا المقيم في ملكال فاسكوالي بيتر – بعد هذه الجولة القصيرة توجهنا إلى مكتب المدير الإداري لفيام دوليب هيل حيث وجدنا السيد فيو نياجوك والذي نُقل حديثاً من مقاطعة مانج في شمال الولاية والذي كشف لـ(المصير) سابقاً عن وجود أكثر من 700 شخص من الفارين جراء أحداث ليلة الميلاد في جونقلي والذي هاجم فيها مجهولون المصلين في خورفلوس وهذا صادف نبأ مقتل المرحوم جورج أطور ومن المتوقع ان يكونوا من جماعة أطور ، وأشار نياجوك إلى ان هؤلاء يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة في الوقت الحالي,وكان قد أوضح لي إنه أستطاع أن يقوم فقط بإستضافتهم في نادي تابع للفيام ، ولكنني لا أدري منذ العام الماضي كيف تبدو أوضاع هولاء النازحين ، وتحدث أيضاً حول مااسماه بـ(جميع الناس أصبحوا مجرمين ) في إشارة إلى سماسرة السمك الذين يقومون بحجز كل الأسماك من الصيادين بغرض جلبها إلى المنظمات الدولية في المدينة, وبالتالي يرتفع سعر السمك محلياً – وغض النظر عن ما ذكره السيد نياجوك فإن أسعار الأسماك متفاوتة وفي متناول أيدي الكل حتى إننا قمنا بشراء أسماكاً بسعرٍ مُغري و قد إستمتعنا بأكل السمك المشوي في دوليب حتى أصبحتُ الآن في جوبا لا تأخذني ( تويل السمك) كثيراً حتى هذا الوقت لأنني أعتقد ان الأسماك المنفوخة المصدرة من شرق إفريقيا بلا طعم هذا ليس تحريضاً لمقاطعة هذه الأسماك كلوا أنتم – بعد كل هذه الجولة قررنا ان نعبر السوباط – فكيف للزائر لدوليب ان يمضي دون ان يعبر السوباط ويشاهد جمال الضفتين .
( 6 ) أنا وديفيد سفرينو عبرنا السوباط وشاهدتُ جمال الضفتين أما بوي فخاف الغرق فهو يعتقد ان عبور النهر دون ممارسة بعض الطقوس غير مجدية وقد يروح فيها ؛ نعم هو يقدر طقوس أبناء مملكة (شلو) ولكن لاحقاً أدركتُ إنه لا يعرف السباحة وهذه قصته الحقيقية لرفضه عبور السوباط وأختيار الإنتظار في الشاطيء هو وفاسكوالي – إذن إستطاع تمويهي بإعتقاده هذا – شاهدتُ كيف تنعرج هذا النهر المجنون القادم من أثيوبيا الشقيقة حقاً – والذي يلتقي بالنيل في دوليب هيل, ومنطقة دوليب هيل كانت مقراً للإرساليات الكنسية منذ العام 1902 خاصة إرسالية الكنيسة المشيخية الإمريكية وأصبحت من أكثر المناطق التي شهدت التعليم في فترات طويلة لقبيلة الشلك الذين يتحدثون Dhog Collo ,و قد تم تأسيس المنطقة أثناء الحكم الإنجليزي –المصري في بدايات القرن العشرين1902 ، وفي الحرب الأولى 1955-1972)) تم إستهداف المدرسة القديمة من قبل الحكومة السودانية, وتم قتل مدير مدرسة البنات بعد تعذيبه في العام 1965 وإغلاق المدرسة وعقب إتفاقية أديس أبابا 1972 تمت إعادة إفتتاحها مرة أخرى، لم تسلم هذه المدرسة وتلميذاتها من لعنة الحرب فإعيدت إغلاقها في الحرب الثانية (1983-2005)[ في العام 1983 – 1986 كانت المنطقة تحت سيطرة الحكومة, ولكن قوات أنيانيا 2 أستعادت المنطقة بعض ضربها مراراً حتى منطقة توفيقية التي كانت بها أنيانيا ورحل أكثر من 600 من المدنيين إثر هذه الهجمات ، رغم هذه الأحداث أصبحت دوليب هيل من المراكز التعليمية الدينية المهمة في التاريخ ، و قد صار القس الفريد هيستي J. Alfred Heasty)) من أشهر الأمريكان الذين عاشوا هناك منذ 1921 وأجاد التحدث بلغة الشلك وثقافتها المحلية ,هل لاحظتم أحبائي كيف أنتهت الحرب من هذه المدارس التاريخية الكنسية الرائدة في الوقت الذي كثرت المدارس في السودان في تلك الفترات وأكاد اُجزم لولا الإرساليات المسيحية لما كانت هذه الدولة تتمتع بهذا العدد المعقول من المتعلمين لذلك فالكنيسة تستحق الثناء والتكريم .
( 7 ) نشارف خواتيم الرحلة إلى دوليب هيل حيث عمودية (أرض القمر) وقبيل العودة إلى وجهتنا ، بدأتُ أشعر بالتعب والإرهاق, فالوقت مضى والرحلة في قمة جمالها والتمتع بها –أتفقنا على ان نزور موقع الأراضي المرتفعة ( دوليب هيل ) مكان تلة أشجار الدوليب الطويلة فوق التلة صعدنا عالياً موقع الكنيسة المشيخية العتيقة – آه أتخيل كيف كانت قبيل هدمها بواسطة قنابل لا تعرف الأمكنة المقدسة – فالكنيسة جنباتها ثابتها – عبارة عن أنقاض مبعثرة هنا وهناك حتى المذبح المقدس انهارت بسبب الحرب _ مساحة الكنيسة المنهارة ليست واسعة ولكنها جميلة – ويقول المبشر بالكنيسة المحولة إلى مكان قريب من الموقع القديم ان الكنيسة تفكر في إعادة بناء الهيكل ليكون أكثر سعة من الماضي, وبالفعل بحسب حديث المبشر فاولو أن الكنيسة شرعت في جمع التبرعات خلال السنوات الماضية لم يكشف عن المبلغ المجموع لإعادة ترميم الكنيسة ، والأمر الذي يخيفني حتى لا يضيع التاريخ هو أن الكنيسة المشيخية تريد البناء في موقع اخر وليس ترميم ذات الكنيسة وبرسمها الهندسي القديم لكي تكون مزاراً تاريخياً مقدس الذكرى للأجيال التي سترث هذه الأرض وما فيها من الخيرات والروايات البطولية في مشوار النضال والتحرر – حتى الآن تغمرني سعادة فريدة عقب مشاهدتي هذا الصرح التاريخي العميق – مدرسة البنات الاولية تحولت الآن إلى مغارٍ للجيش الشعبي الباسل خاصة معاقي الحرب من الرجال والنساء الأوفياء بلا جدال – وهناك من الجهة الشرقية تقوم مدرسة جديدة قيل ليَ أنها من مساهمات القائد بالحركة الشعبية الرفيق أوياي دينق أجاك وزير الأمن القومي بالحكومة الإتحادية وهذه محمدة طيبة – ولكن الشيء غير المتوازن هو عندما يتبنى القادة تنمية مناطقهم بإنفسهم دون خطة قومية تشمل هذه المناطق التاريخية هو المشكلة – قبيل نهاية الحديث عن ملكال بشكل شامل وكبير_ فقط الشيء الذي وددتُ ان أقوم به هو الحديث مع سلطان سلاطين عمودية (فنيدوي )المحترم فيليب أوين منتونق والذي بدأ متشائماً بالمستقبل لأنه تعرض إلى مضايقات وتهديدات بالتصفية الجسدية من قبل الراحل جورج أطور في النزاع حول منطقة فيجي حتى فر من المنطقة ليعيش في ملكال حتى الآن ، ولكنه يرى ان النزاعات القبلية قد لا تنتهي في عهد هذا الجيل بحسب رايه,ولكنه يرى عن الحل قد يكون في أيدينا نحن الجيل الحالي ( جيل السلام والأمة الجديدة ) التي تشكلت وقال " ممكن الحل يكون عندكم أنتم " حلاً للنزاعات القبلية – نحن ,نعم بالإمكان ؛ بيد ان الجيل الذي يحكم الآن يُحترم رغم كل هذه الاشياء لأن الحرب قد طالت – ورحل منهم الكثيرين حتى في وقت السلام – هم حققوا إنتصارات كبيرة على مر التاريخ من أجلنا ،لذلك فالحمل الموكل على أعتابنا ثقيل فهل يمكننا تحقيق المصالحة بين شعبنا أيها الشباب ؟؟– هذا ممكن بدل الإنسلاخ وراء من يريدون الإطاحة بالشعب بأكمله بسبب مصالح ذاتية مخفية تحت مظلة قادة المناطق محدثين جرائم لا تغفر في بقاع البلاد وأطرافها– هذا ما يقتلنا – فالذي يجمعنا كثير وأكبر من كل المصالح الآنية – حان الوقت – لتكوين أمة قوية تتطلع لمستقبل واحد .
سفرٌ أخير : وملكال أو ملكان أو ماكال مدينة جميلة أخذتني كثيراً كما علاقتي بالأصدقاء من هناك جميعهم ، وحتماً سأزورها أو أسافر عبرها إلى أثيوبيا عندما يتم إفتتاح طريق ملكال – أديس حينها سأوري قصة مدينة تعانق النيل والسوباط في ضفتيها فهل لا تستحق هذه الأيام الكتابة أجيبوا أنتم أحبائي القراء ..!!
*تويل : بلغة الدينكا وتعني حاجة المرء إلى شيء في نفسه وخاصة الأشياء التي تمتاز (بالزفارة )
أبراهام مليك
كاتب صحفي بصحيفة (9يوليو ا)لإسبوعية -جوبا
Newer articles:
Older news items
- المقاطعة و البلدية في أعالي النيل صراع السلطة و الثروة مقدمة - 1 - 23/08/2012 23:43
- كنتُ في ملكال - 1 - 21/08/2012 22:22
- إفعل هذا من أجل الأطفال - 20/08/2012 09:26
- أثر العوامل الداخلية و الخارجية في عدم الاستقرار السياسي في جنوب السودان - 29/07/2012 10:07
- الاجهزة الامنية في ملكال تعتقلنا نهار العيد الاول للاستقلال المجيد - 25/07/2012 21:16
Latest news items (all categories):
- Part 2 - Letter to Dr. Marial Dongrin Ater: addressing cash shortages, a strategic roadmap for the Ministry of Finance and Planning and the People of the Republic of South Sudan - 04/07/2025 15:54
- US Supreme Court clears way for deportation to South Sudan of several immigrants with no ties there - 04/07/2025 15:37
- Violence leaves 739 civilians dead in South Sudan - 04/07/2025 15:34
- Old Mutual Winds Down South Sudan Operations after Two Decades - 04/07/2025 15:31
- WHO and FCDO standby partners strengthen cholera response in South Sudan - 04/07/2025 15:29
Random articles (all categories):
- Sabotage of NCP and Defiance of SPLM on CPA is Bad Behavior on Partnership - 28/05/2009 15:34
- Iran Urges South Sudan to Respect Sovereignty of Northern Neighbor - Fars News Agency - 16/04/2012 08:45
- South Sudan army reclaims control of key oil town of Malakal - 20/01/2014 13:44
- Fighting Raises Tension Between Government, Rebel Force in South Sudan - 29/04/2020 18:22
- Responding to South Sudan the fisical crisis - 01/05/2009 11:17
Popular articles:
- مفهوم التنمية . - 12/04/2011 01:00 - Read 91748 times
- مفهوم النزاع - 06/04/2011 01:00 - Read 58750 times
- مفهوم التنمية الصحية - 31/01/2012 21:32 - Read 46429 times
- Jobs Analysis Concept مفهوم توصيف او تحليل الوظائف - 01/10/2011 01:00 - Read 45384 times
- مفهوم الحكم الراشد - 23/10/2010 03:30 - Read 41431 times