logo

 

المتحدث باسم الجيش: اللواء لول رواي كوانغ (hafryat.com)
المتحدث باسم الجيش: اللواء لول رواي كوانغ (hafryat.com)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سامح إسماعيل - كاتب مصري

شهدت جوبا، عاصمة جمهورية جنوب السودان، الخميس 21 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، أحداث عنف وإطلاق نار بشكل مكثف، حين اشتبكت عناصر من قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان، مع الحراسة الخاصّة برئيس الأمن السابق الجنرال أكول كور كوك، أثناء محاولة نقل الأخير إلى مركز احتجاز في مقر الجيش في بيلبام، بعد أكثر من شهر من تحديد إقامته.

بدأت الأحداث بقيام وحدة مدججة بالسلاح، تابعة لقوات الدفاع الشعبي، بمحاصرة مقر إقامة أكول بالقرب من فندق نيمولي ريزورت في حي ثونجبيني، بالقرب من السفارة الأمريكية، حيث طالبه الجنود بتسليم نفسه، لكنّ حراسه الشخصيين، فضلاً عن عناصر من الحرس الرئاسي التابع لكتيبة النمر النخبوية، الموالية له، رفضوا ذلك، وتصدّوا لمحاولات اقتحام المقر بالقوة، بإطلاق نار كثيف.

بدورها، أصدرت بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان تحذيراً أمنياً لموظفيها في جوبا. وحثّت جميع الموظفين على "البقاء في أماكنهم"، وتجنب التحرك مع تصاعد التوترات. 

انهيار الوضع الاقتصادي

منذ انفصاله عن السودان في العام 2011 يعاني جنوب السودان من صراعات لا تنتهي، بالتزامن مع أزمة اقتصادية مزمنة، فاقمتها الحرب الأهلية في السودان، وحالات النزوح التي خرجت عن السيطرة، مع انتشار معسكرات اللاجئين، وتسلل عناصر من المعارضة المسلحة إلى الداخل.

ألحق اندلاع الحرب في السودان أضراراً جسيمة باقتصاد جنوب السودان، الذي يئن تحت وطأة جملة من التحديات الكارثية، فبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA) أدّت الحرب الأهلية في السودان إلى توقف معظم صادرات النفط عبر السودان منذ شباط (فبراير) الفائت، بعد الأضرار التي لحقت بخط الأنابيب بسبب الصراع. 

ويمكن القول إنّ جنوب السودان هو البلد الأكثر تضرراً من أزمة حالات النزوح الناجمة عن الصراع في السودان بعد تشاد.  فقد فرّ ما يقرب من (780) ألف شخص إلى جنوب السودان، منذ بدء القتال في 15 نيسان (أبريل) 2023، أكثر من (580) ألف شخص من هؤلاء، هم من العائدين من جنوب السودان. حيث عادوا إلى مناطق لم تعد تحظى بالأولوية في الحصول على المساعدات الإغاثية. ويهدد تصاعد الصراع في دارفور وشرق السودان بتفاقم الوضع.  

كان انهيار اقتصاد جنوب السودان هو أحد أبرز تداعيات الحرب في الشمال، حيث انخفضت قيمة الجنيه في جنوب السودان بنسبة تزيد عن 70% بين كانون الثاني (يناير) وتمّوز (يوليو) 2024، ممّا أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للأفراد والأسر بشكل كبير، وجعل السلع الأساسية بعيدة المنال بالنسبة إلى العديد من الناس. وبحسب المكتب الوطني للإحصاء، وصل معدل التضخم السنوي إلى 97% في حزيران (يونيو) الفائت، مع ارتفاعات غير متوازنة في تكلفة المواد الغذائية الأساسية. وتفاقمت الأزمة الاقتصادية بسبب الضرائب الجديدة على الوقود، التي تمّ فرضها في شباط (فبراير) الفائت. 

العجز الحكومي عن مواجهة الأزمة تجلى في توقف الرواتب، حيث لم يتلقّ الموظفون المدنيون والجنود في جنوب السودان رواتبهم لأكثر من عام، ممّا أدى إلى تفاقم التوترات، وتزايد خطر التمرد والنزاعات والانشقاقات.

ومع ذلك، استمر أفراد جهاز الأمن الوطني والحرس الرئاسي في تلقي رواتبهم حتى الشهر الماضي. ثم توقفت رواتبهم فجأة، بعد إقالة أكول كور وقائد الحرس الرئاسي الجنرال بول ويك. وعادة ما تتلقى هذه الوحدات الأمنية النخبوية رواتبها في الوقت المحدد باستمرار، حتى عندما لا يحصل موظفون مدنيون آخرون على رواتبهم. وربما أثار التأخير غير المسبوق في المدفوعات غضب هؤلاء الجنود من عناصر النخبة.

تراخي قبضة الرجل العجوز

مع عودة فصيل الكوبرا المنشق إلى مواصلة الحرب الأهلية في العام 2016، اعتمد الرجل العجوز سلفا كير (73 عاماً) على رجال أقوياء من عينة أكول كور وبو ويك، ونجح الرجلان في تثبيت حكم كير، رغم تراجع الصحة العقلية للزعيم التاريخي، والذي اعتاد تغيير الوزراء وقادة الأجهزة باستمرار، أو إعادة تعيين مساعديه المقربين. وتشير تحركاته الأخيرة، التي أقال فيها حلفاءه المقربين للغاية والموثوق بهم منذ فترة طويلة مثل أكول كور وبول ويك، إلى نوبة جديدة من جنون العظمة، بحسب تعبير ( (Sudan war monitor فقد عيّن رئيساً إدارياً لمكتبه يوم الجمعة وأقاله يوم الإثنين.

ويبدو أنّ سلفا كير قرّر التخلص من أكول كور، بعد أن لاحظ هيمنة الأخير بشكل كبير على الأجهزة الأمنية، منذ تولى قيادتها في العام 2011، فقرر في الثاني من تشرين الأول (أكتوبر) تعيين الجنرال أكيك تونج، قائداً لجهاز الأمن الوطني، بينما قرر تعيين أكول كور حاكماً لولاية واروب، مسقط رأس الرئيس، والتي تشهد اضطرابات أمنية شديدة، لكنّ كير كعادته تراجع عن قراره في اليوم التالي، وقام بعزل أكول من منصبه كحاكم لولاية واروب، ثمّ قام بوضعه قيد الإقامة الجبرية.

وتأتي التغييرات في جهاز الأمن الوطني بعد أسابيع من الإعلان عن تأجيل الانتخابات التي طال انتظارها، والتي كان من المقرر إجراؤها في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، لمدة عامين.

بالتزامن مع ذلك، تشهد البلاد أعمال عنف دامية في مقاطعة تونج الشمالية التابعة لولاية واروب، حيث أدت الهجمات الانتقامية إلى مقتل ما لا يقل عن (20) مدنياً وإصابة (37) آخرين، كما أنّ الطرق الرئيسية المؤدية إلى قرية أكوك في إقليم تونج الشمالي ما تزال مغلقة من قبل شبان مدججين بالسلاح.

مع نزع سلاح أكول وتحديد إقامته ووضعه قيد الإقامة الجبرية، انتشرت قوات فرقة النمر الموالية له حول مقر إقامته، وذلك منذ 15 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، وهذه القوات هي التي تصدت لمحاولة نقله إلى أحد مراكز الاحتجاز.

أكول الذي ترأس جهاز الأمن الداخلي القمعي في البلاد لمدة (13) عاماً، وكان حليفاً وثيقاً للرئيس، يحظى، على الرغم من إقالته من منصبه، بدعم من أجهزة الأمن المختلفة، ولديه الكثير من الموالين داخل الأجهزة الأمنية، وربما هناك قوى منظمة أخرى تؤمن به وتؤيده. 

وتمثل هذه الحادثة العنيفة تصعيداً دراماتيكياً في سياق تدهور العلاقة بين كير وأكول، وكلاهما من قبيلة الدينكا من ولاية واراب، وإن كانا من مقاطعات مختلفة، لكنّ الثقل العرقي الذي يحمله أكول ربما لا يوازي الثقل الأمني للجنرال الذي كان يُعدّ نفسه لخلافة سلفا كير.

محاولات الاحتواء بعد فشل الاعتقال

حاول المتحدث باسم الجيش، اللواء لول رواي كوانغ، التقليل من خطورة الحادث، وعزا تبادل إطلاق النار إلى سوء تفاهم بين اثنين من أفراد الأمن، المتمركزين حول مقر إقامة أكول. وقال لول لصحيفة (سودانس بوست): "وقع إطلاق نار في مقر إقامة رئيس المخابرات السابق، الجنرال أكول كور، شاركت فيه قواتنا المنتشرة لتوفير الأمن الإضافي. ونشأ سوء تفاهم بين قوة الأمن الخارجية والفصيل الذي يوفر الحماية الوثيقة". وكشف عن إصابة اثنين من العسكريين خلال تبادل إطلاق النار. وقال إنّ رئيس قوات الدفاع في الجيش الجنرال سانتينو دينج وول تدخل شخصياً لوقف القتال. ورفض لول تأكيد ما إذا كان أكول تمّ اعتقاله بنجاح ونقله إلى بيلبام أم لا.

في اليوم التالي للحادث، زعم مصدر عسكري شارك في العملية لصحيفة (سودانس بوست) أنّ أكول اعتقل بعد قتال عنيف أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من جنوده. بينما زعمت مصادر أخرى أنّ مكان وجود أكول لم يكن معروفاً عندما اندلعت الأعمال العدائية حول مقر إقامته.

وفي مؤتمر صحفي عقده مساء الجمعة 22 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، أعلن الجنرال كوانغ حصيلة القتلى، وقال إنّ مدنيين قتلا في الحادث، هما طالب ومحامٍ، وكان الاثنان موجودين بالمصادفة بالقرب من مسكن الجنرال كوك، ووقعا في مرمى النيران، بالإضافة إلى جنديين قتلا، وأصيب اثنان آخران بجروح.

وزعم الجنرال كوانج أنّ الجنرال كوك تم نقله من منزله في ثونجبينجي، إلى مقر إقامته الثاني في ضاحية جبل التي تقع جنوب جوبا.

من جهة أخرى، قال أحد أقارب رئيس المخابرات السابق لصحيفة (سودانس بوست): إنّ أكول لم يصب بأذى ولم يتم اعتقاله، نافياً الشائعات حول إصابته أو وفاته. وسرعان ما أكدت تقارير محلية أنّ أكول ما زال في مقر إقامته في حي ثونجبيني، في جوبا، وفقاً لمصادر أمنية مقربة. وذكرت التقارير أنّ المواجهة اندلعت بعد أن قام الجنرال مارشال ستيفن، رئيس الاستخبارات في قوات الدفاع الشعبية لجنوب السودان، بتسليم أكول رسالة من قائد قوات الدفاع الجنرال سانتينو دينج وول. وتضمنت الرسالة تعليمات لأكول بتسليم دبابتين في حوزته وتسليم نفسه للاحتجاز، حيث ردت فرقة النمر بوابل من الرصاص على قوات الجيش، فتدخل الجنرال سانتينو دينج وول، لتهدئة الوضع، وأمر بسحب القوات وتعليق عملية الاعتقال مؤقتاً.

وفي سياق متصل، أكد مصدر أمني في بيلبام أنّ أكول لم يتم اعتقاله أو نقله من قبل القوات المشاركة في محاولة الاعتقال. الأمر الذي يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة، تسير جميعها تجاه انفجار المشهد الأمني في جمهورية الجنوب.

وكشف الحادث عن طبيعة الانقسامات في الجمهورية الجنوبية بين الأجهزة الأمنية، حيث يقوم كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين بتشكيل قوات حماية شخصية تتألف من أقاربهم والموالين لهم، بدلاً من الاعتماد على وحدات معينة من قِبَل الدولة. ويعكس حراس أكول الشخصيون، الذين تم اختيارهم من كتيبة النمر، هذا الاتجاه، الأمر الذي يقوض السيطرة المركزية على قوات الدفاع الشعبية لجنوب السودان، والمعروفة سابقاً باسم الجيش الشعبي لتحرير السودان، وذلك منذ تصاعد الخلاف السياسي بين كير ونائب الرئيس السابق ريك مشار، في أعقاب الاستقلال، وتحول الأمر إلى حرب أهلية أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين. 

ولا يمكن تجاهل البُعد الإثني في صراعات جمهورية الجنوب، فالرئيس سلفا كير من قبيلة الدينكا، وهي أكبر مجموعة عرقية في الجنوب، كرّس هيمنة قبيلته على الأجهزة الأمنية، الأمر الذي أثار حفيظة النوير، ثاني أكبر قبيلة في الجنوب، وهو ما أدى إلى اشتباكات متقطعة بين الجانبين، تفاقمت بعد قيام سلفا كير بعزل نائبه رياك مشار، وهو من قبيلة النوير، في العام 2013، وإعلان مشار التمرد المسلح ضدّ النظام.

Source: hafryat.comSource: hafryat.com