دأبت بعض الأقلام في الصحف اليومية المختلفة وفي بعض المنابر المتعددة في توجيه النقد إلي د. لام اكول اجاوين وزير الخارجية بسبب السياسة الخارجية السودانية واتهامه من قبل البعض بانه ينفذ سياسات المؤتمر الوطني في السياسة الخارجية وليس الأجندة الخاصة بحزب الذي ينتمي إليه ( الحركة الشعبية للتحرير السودان ) والشيء الذي يدعو إلي الحيرة واستغراب أن تلك اتهامات والنقد مصدرها بعض الأعضاء في الحركة الشعبية للتحرير السودان
فمنذ استلام د . لام أكول مهامه في سبتمبر من عام 2005م تعرض للنقد لاذع من هؤلاء الأعضاء المنتمين للحركة الشعبية وظلوا يوجهون اتهامات كثيرة للوزير الخارجية ومطالبة قيادة الحركة بإسناد المنصب للشخص أخر حتى يستطيع تمرير سياسة الحركة الشعبية خارجياً ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل من مهام الوزير الخارجية صنع السياسة الخارجية للبلاد؟ وهل من اختصاصات الوزير الخارجية حديث عن سياسات الحزب خارجياًً ؟ أم كل مافي أمر هو محاولة إزاحة د. لام أكول أجاوين من الوزارة وإسناد الوزارة إلي شخص أخر؟ وحتى نكون صادقين مع أمام الشعب السوداني وشعب الجنوبي خاصاً لابد من توضيح بعض الحقائق حول السياسة الخارجية السودانية وفق الدستور السودان الانتقالي للعام2005م والذي يعتبر ابن الشرعي لاتفاقية السلام الشامل التي أجمعت عليها الشعب السوداني وشاركنا بوضعه وقد حدد الدستور الانتقالي موجهات العامة للسياسة الخارجية السودانية خلال فترة الانتقالية في المادة 17 من الدستور السودان الانتقالي للعام2005م .
فالسياسة الخارجية هي السياسة التي تنتهجها الدولة للحماية مصالحها في خارج وجلب المنافع وهي موجه إلي بيئة دولية وتتميز تلك البيئة بأنها غير مستقرة ومعقدة جداً وتكثر فيها تنافس وتتقاطع فيها المصالح فالسياسة الخارجية لا تتم السيطرة عليها من قبل الدولة بشكل تام بما يقارب سيطرتها علي السياسة الداخلية وذلك للتعدد وتشابك وتباين الأهداف الدول في الساحة الدولية فرسم السياسة الخارجية هو قرار سياسي في مقام الأول يرجع جذوره إلي الأحزاب السياسية والرأي العام ومؤسسات الدستورية وإلي ما تعتبره الدولة من مصالح حيوية لها ويستند الدولة في ذلك علي مقوماتها الداخلية وظروفها التاريخية والحالية ومن أجل ذلك يتميز منصب وزير الخارجية بأهمية خاصة جداً وحساسة أيضاً لأن من خلاله يتم التعبير عن السياسات الدولة في علاقاته الخارجية ولذلك تهتم جميع الدول في العالم بهذا المنصب ويعتبر وزير الخارجية هو الوزير الوحيد الذي تقوم الدولة بإعلان اسمه للبقية الدول في العالم بالإضافة إلي الرؤساء وملوك وأمراء وذلك وفق العرف والقانون الدولي لأنه يقوم بتمثيل دولته في خارج ويعتبر خطب وأحاديث وزير الخارجية تعبيراً لسياسات دولته وتعبيراً لإرادة دولته في مجتمع الدولي ولذلك يتم اختيار وزير الخارجية وفق صفات معينة خاصة منها علي سبيل مثال إلمام بمجريات الأمور في الساحة الدولية وذكاء وحنكة السياسية ومعرفة مصالح الدولة في الخارج وإجادة التفاوض وقوة وشجاع في طرح القضايا وإلمام باتجاهات السياسة العالمية وموقع بلاده منها وغيرها من صفات رجال الدولة.
فالوزير الخارجية هو الناطق بلسان الدولة في ميدان العلاقات الدولية ويفاوض بإسم دولته وليس الناطق بلسان حزبه فهذا تدخل ضمن المهام السكرتير الحزب أو أمينه العام أو الرئيس حزب أو أعضاء الحزب في برلمان ووزير الخارجية هو صلة الوصل بين دولته والعالم الخارجي وتصريحاته تقيد دولته وهذا ما قرره المحكمة العدل الدولية في حكمه الصادر في 25 ابريل 1933م . فوفقاً للدستور السودان الانتقالي للعام2005م فإن الرئيس الجمهورية هو راس الدولة ويمثل إرادة الشعب السوداني ويمثل الدولة في علاقاتها الخارجية ويعين السفراء الدولة ويوجه السياسة الخارجية للدولة ويشرف عليها ويصادق علي المعاهدات الدولية ( الباب الثالث الفصل الأول المادة 58 والفقرة ي و ك) . ومن تلك النصوص نجد إن وزير الخارجية يعتبر ممثلاً ً لرئيس في تسير السياسة الخارجية للبلاد وليس من مهامه صنع ووضع السياسات الخارجية للسودان إذ ذلك من اختصاص مجلس الوزراء القومي(المادة 72الفقرة1) والمجلس الوطني و مجلس الرئاسي. فالقول بان د. لام اكول اجاوين يقوم بتنفيذ سياسات المؤتمر الوطني في السياسة الخارجية هذا القول مردود وغير صحيح وغير منطقي وذلك وفق الدستور السودان الانتقالي المعمول به الان فمعلوم ان دستور أعطي المؤتمر الوطني نسبة 52% في السلطتين التنفيذية والتشريعية وهما جهتي صنع ووضع السياسات الدولة الداخلية والخارجية لذلك كان من طبيعياً ان تسود سياسات المؤتمر الوطني في كثير من سياسات الدولة سواء في داخل أم في خارج البلاد فمثلاً قرار رفض تدخل القوات الدولية في دارفور تم بعد مداولات ومناقشات في مجلس الوزراء فكان من الطبيعي إن تصدر قرار الرفض تلك القوات لان حزب المؤتمر الوطني ترفض تتدخل تلك القوات في دارفور للغالبية أعضاءها في مجلس الوزراء مع علم بان قرارات مجلس الوزراء تصدر بتوافق الآراء وإذا لم يتم فبأغلبية البسيطة وفق الدستور ( المادة 70فقرة4) وكذلك ينص المادة 73فقرة 1 من الدستور الانتقالي بجواز تعليق رئيس الجمهورية لأي قرار يصدره وزير قومي لحين مراجعته وأيضاً ينص الدستور السودان الانتقالي للعام 2005م بان قرارات مجلس الوزراء تسود علي كل قرارات السلطة التنفيذية الأخرى ( المادة70 الفقرة3 ) ورغم وضوح تلك النصوص من الدستور الذي شاركنا بصياغته مازال البعض يردد بان وزير الخارجية ينفذ سياسات المؤتمر الوطني وانحرف عن مسار حزبه فهذا الكلام باطل وغير سليم وفيه تضليل للذين لم يطلعوا علي الدستور الانتقالي ولكن الحقيقة هي إذا كان وزير الخارجية شخص أخر غير د. لام اكول فإنه سوف يعمل وفق قرارات مجلس الوزراء حيث ينص المادة 74 من الدستور بان وزير القومي ملزم بقرارات مجلس الوزراء او مجلس الوطني او مجلس الرئاسي مع علم إنه بعد صدور القرار توصف بأنها قرار حكومة السودان وليس قرار حزب معين وهذا هو العرف السائد في السياسة وخاصاً في السياسة الخارجية ومهام وزارة الخارجية تتمثل في تنفيذ سياسات الدولة خارجياً. ولذلك أعتقد ان النقد وحملة المنظمة الموجه إلي د.لام أكول من قبل بعض أعضاء الحركة الشعبية ليس نقد موضوعي وإنما تدخل ضمن مكايدات سياسية وخصومة شخصية ومحاولة إقصاؤه من وزارة الخارجية وعزله عن قواعد الحركة الشعبية بإلصاق التهم إليه وأقول لهؤلاء إذا كان سبب الحملة والنقد يعود إلي عدم إلمامهم بالدستور السودان الانتقالي للعام2005م وكيفية صنع القرار السياسي وخاصاً قرارات المتعلقة بسياسة الخارجية فهذا مصيبة كبيرة وإن كان من باب إبعاد الرجل لأسباب قبلية أو شخصية فهنا المصيبة اكبر لان الشعب الجنوبي قد أجتاز تلك المرحلة وصار ينظر إلي المستقبل وتجاوز مرحلة محاربة وتشهير بالقادة علي اسس قبلي وشخصي .
وأرجو ان تنصرف أفكارنا و طاقتنا جمعياً في هذا المرحلة للمحافظة علي السلام ومكتسباتها وبناء حزبنا وكسب قواعد جديدة وتنظيم صفوفنا في داخل والخارج وشرح اتفاقية السلام للشعب السوداني وجنوبي خاصاً حتى يدركوا حقوقهم بدلاً من محاربة أحد القادة الحركة الشعبية .وهنا نسال هؤلاء أعضاء أليس لحزبنا الكبير سياسات أخر في مجالات الصحة والتنمية وزراعة وتعليم والعودة النازحين واللاجئين إلي مناطقهم؟ أم أختزل هؤلاء سياسات الحركة الشعبية في سياسة الخارجية فقط؟ وصار منصب وزير الخارجية هو الشغل الشاغل. وسؤال الأهم هل بتغيير وزير خارجية الحالي سوف يتغير سياسة السودان الخارجية ؟وأخيراً أرجو أن وأكد ان تداول المناصب بين أعضاء الحركة الشعبية في حكومتي الجنوب واتحادية شيء طبيعي جداً ولكن يجب ان تكون هناك مبررات واضحة ومعيار موضوعي لتحديد أي وزير قومي أو ولائي أدي مهام الملقى علي عاتقه وفق الدستور و القانون وأي وزير اخل بواجبات ومهام الموكل إليه وان لا يكون كل ما في أمر مجرد تبديل المناصب للترضية البعض ومحاربة البعض الأخر فالوزير الخارجية د. لام أكول قد أدى مهام الموكل إليه بنجاح باهر وفق الدستور وقوانين المنظمة للعمل الدبلوماسي وساهم في تنفيذ اتفاقية السلام وذلك بتعيين 61دبلوماسياً من أبناء الجنوب في وزارة الخارجية بالإضافة إلي دوره واضح في نجاحات دبلوماسية السودانية في المجتمع الدولي إضافة إلي ذلك يعتبر من القلائل الذي يعتمد علي علمية ومنهجية في مجال عمله فالسياسة الخارجية شيء ودبلوماسية شيء أخر فالوزير الخارجية ودبلوماسيين في وزارة الخارجية مهامهم تتعلق في تنفيذ سياسات الخارجية للدولة وذلك وفق الدستور السودان الانتقالي للعام2005م وليس في صياغة ووضع السياسة الخارجية ....
أمانويل موسس ابان
Newer articles:
- الأزمة الكينية.. التأثير على خياري (الوحدة) أو (الانفصال - 02/02/2008 15:19
- ماهية الحزب السياسي الديمقراطي؟ - 16/01/2008 23:07
- سلفاكير: نملك وثائق تؤكد وقوف جهات وراء المسيرية - 16/01/2008 08:37
- اشتباكات أبيي توقع 20 قتيلا والخرطوم تحاول احتواءها - 05/01/2008 13:16
- سلفاكير يقيل تيلار واليو من مؤسسات الحركة الشعبية - 04/12/2007 08:57
Latest news items (all categories):
- ATIDI approves USD84 million counter-guarantee to support financing of Rwanda’s new international airport - 15/07/2025 15:36
- South Sudan’s foreign minister in Washington for tense talks on deportations and governance - 15/07/2025 14:51
- Kenyan Transporters Warned Against Using Nimule–Juba Highway in South Sudan After 4 PM - 15/07/2025 14:49
- US Border Official Says Fate of Deported Migrants to South Sudan Unknown - 15/07/2025 14:28
- Call for peace, justice and reconciliation in South Sudan - 15/07/2025 14:25
Random articles (all categories):
- South Sudan government postpones opening new oil exploration blocks amid Covid-19 - 23/07/2020 00:47
- Aweil town: UNMISS holds workshop on peace agreement - 17/03/2022 04:34
- Pope says peace in South Sudan is possible, kisses feet of political leaders - 12/04/2019 02:26
- Rights body urges IGAD to revoke recognition of Kiir's national dialogue - 27/07/2017 08:06
- South Sudan attacks on aid workers worsening crisis: UN - 22/04/2015 12:05
Popular articles:
- مفهوم التنمية . - 12/04/2011 01:00 - Read 91951 times
- مفهوم النزاع - 06/04/2011 01:00 - Read 58940 times
- مفهوم التنمية الصحية - 31/01/2012 21:32 - Read 46626 times
- Jobs Analysis Concept مفهوم توصيف او تحليل الوظائف - 01/10/2011 01:00 - Read 45572 times
- مفهوم الحكم الراشد - 23/10/2010 03:30 - Read 41598 times