logo

 الفسادمثل تفشي الفساد في منظومة القطاعات الحكومية في جنوب السودان ، أحد العوامل التي أطلقت تملئة استمارة ممتلكات كل المناصب القيادية بالدولة ، إذ أن ثمة خللا في الرقابة و التشريعات سمح لهذه الظاهرة بالتمدد والانتشار خاصة على صعيد الولايات. وفي هذا السياق، نظم مفوضية مكافحة الفساد على المستوى الدولة حملة قومية لمحاربة الفساد.

ستناول، في هذه المقال الأسباب التي تؤدي إلى ظهور الفساد على المستوى القومى و الولايات . وهى أن تخويل قدر كبير من السلطة المركزية للحكومات والولايات لتخصيص وتوزيع موارد الدولة، يفتح الباب أمام الفساد. ومفهوم الفساد الحكومي بأنه سوء استخدام المنصب العام لتحقيق منافع شخصية.

و الفساد على المستوى الولايات تنبآ من السلوكيات غير المنضبطة من الموظفين والمواطنين ورجال الأعمال والسياسيين، وغياب الإرادة السياسية للتعامل مع الفساد وضعف المجتمع المدنى، وعدم فاعلية وسائل الإعلام.كما أن هناك أسبابا مؤسسية تتمثل فى الافتقار إلى الشفافية، وعدم إتاحة المعلومات للمواطنين، وضعف المساءلة والعقوبات المفروضة، ومعدلات الأجور المنخفضة، وظروف العمل السيئة، والتعيينات على غير أساس الجدارة. يضاف إلى ذلك ، فإنه إذا لم تتم إدارة عملية اللامركزية بعناية فقد تخلق حافزا أكبر لتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.

خلل حالتنا بالجنوب

وبالنسبة لحالتنا بالجنوب السودان ، تعانى فسادا بيروقراطيا وإداريا، وأن عملية التنمية السياسية لا بد لها أن تأخذ المنحى اللامركزى كتطبيق، ولا بد من توعية أفراد المجتمع بها، وأن مميزاتها تكاد تتناسب مع أطر وعلاج ومكافحة الفساد الولائى والقومى.

و عدم جدوى الرقابة هو أمر نتيجة ومحصلة، وسبب فشلها هو تطبيق (المركزية)؛ وأن أسلوب الرقابة يتنامى مع الإطار اللامركزى من خلال المؤسسات الرقابية فى الدولة، مثل الجهاز المركزى للمحاسبات، وتقارير عمل النيابة الإدارية، ولذلك لابد من التوعية بأهمية اللامركزية.

ومن النقاط المهمة هي أنه لا بد من تمكين واتباع منهج شامل، وإعمال للمبادئ القانونية والرقابية وتؤكد أن المشكلة ليست فى كثرة القوانين، وإنما إنفاذ القوانين وتفعيلها بالشكل المطلوب، وأن مفهوم ( اللامركزية) يحتاج إلى توعية وفهم، وكذلك القاعدة القانونية تحتاج إلى توعية بأهمية تنفيذه.

وتركيز على أنه لابد لنا من تحديد أولوياتنا، وعمل خطة قومية استراتيجية لمكافحة الفساد، مثل الحملة القومية لتمصير الاقتصاد جنوب السودان، ولا بد من عمل شيء قومى ينادى بالمحاربة القبلية وتوعيته، ومكافحة الفساد، والحفاظ على حقوق المواطن؛ وكذلك وضع خطة استراتيجية لتحديد الأولويات من خلال دراسة أولويات كل محافظة على حدة؛ وبالتالى تحديد الاحتياجات بناء على دراسة لكل ولايات .

و الإرادة السياسية هى العامل الرئيسي في مكافحة الفساد والقضاء عليه ،و إن التشريعات دولة جنوب السودان المتعلقة بالفساد تنظرإليها الأجهزة الرقابية والإدارية والتحقيقات، كما لو أنها أفرغت تماما من دورها، وأنه يجب إعادة النظر فى التشريعات (يوجد ضعف فى المحاسبة والجرائم وأنها تمثل خطورة على الجهاز الإدارى).

وركزت، على مسألة التشريعات باعتبارها هى الأساس لمكافحة الفساد، حيث ارى أن الخلل فى التعدد غير المنطقى للتشريعات، وأنها غير شفافة ، كما توجد سلطات تقديرية مخولة لرأس النظام، وأنه يوجد خلط للأوراق وللمفاهيم وعدم الوعى التام بمسألة المفاهيم، مثل مفهوم الشفافية، وأنه توجد عوامل كثيرة مختلطة ساعدت على استشراء الفساد، وتعدد التشريعات دون جدوى. و إن 60% من مشاكل جنوب السودان أساسها عدم تنفيذ التشريعات، وإنه لابد لنا أن نأخذ نقوم بالتنسيق والقياس عليها فى موضوع التشريعات والقوانين.

نماذج مكافحة الفساد

وهناك الخبرة الدولية في مكافحة الفساد على المستوى الاقليم، وأكد أنه لابد من وجود نمط موحد لوضع استراتيجية ناجحة لمكافحة الفساد على المستوى الاقليم، وأن الحل الأمثل هو وضع استراتيجية شاملة تأخذ فى الحسبان تكامل المبادرات بين دول الاقليم، والربط بين الجهود على المستوى الاقليم وتلك على الصعيد العالم.

كما اعتمدت أغلب استراتيجيات مكافحة الفساد على عدد من الآليات، من أهمها: تحسين الشفافية والمساءلة، وتقييم الإرادة السياسية ونقاط الدخول، وتشجيع مشاركة المواطن، واتباع منهج شامل للإصلاح، مشيرة إلى أن أهم مخاطر الفساد على المستوى الدولة تتمثل في إهدار الاموال العامة، وسوء تخصيص الموارد وإمكانات التنمية فى الولايات و المقاطعات، وعدم كفاءة الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، وإضعاف المناخ الاستثمارى، وانخفاض النمو الاقتصادى فى الولايات. كما يقوض الفساد الأهداف الاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية، والسياسية للوحدة المحلية.

وسردت الباحثة أسماء عزت عدة نماذج دولية في مكافحة الفساد ، ففي بلغاريا تم اصلاح الاطار التشريعى عبر قوانين تتضمن أحكاما لتعزيز الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد (قانون الإدارة، وقانون العاملين المدنيين، وقانون الإفصاح عن الأصول وغيرها من القوانين)؛ كذلك وضعت استراتيجية قومية لمكافحة الفساد (أكتوبر 2001) تتضمن سبلا لقمع الفساد والوقاية منه؛ وإشراك المجتمع المدنى،وقد تم تخصيص جزء منها لمحاربة الفساد فى الحكومات القومية والولائية.

أما (الإطار المؤسسي)، فإنه توجد مجموعة من المؤسسات التى تمارس الدور المؤسسي على المستوى القومى، ومنها : المفوضية القومية لمكافحة الفساد المنظمة . كما لابد تكملتها بمجموعة من المؤسسات ذات الأدوار التكميلية، منها: لجنة منع ومحاربة الفساد، ولجنة مكافحة الفساد فى النظام القضائي، واللجنة البرلمانية لمكافحة الفساد، والمكتب القومى لمراجعة الحسابات، ومكتب المدعى العام، وأمين المظالم.

وعلى مستوى المساءلة الاجتماعية، لابد من منظمات المجتمع المدنى لها دورا كبيرا فيها مثل مجموعة من المنظمات للمجتمع المدنى، يتم إنشاوه باعتبارة مبادرة لمكافحة الفساد، يعمل على تسهيل التعاون بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأخرى فى مجال مكافحة الفساد، ويدير نظام الرصد ومراقبة الفساد من خلال استطلاعات للرأى العام التى تتم بصفة دورية ومنتظمة.

وهناك تجارب دول أخرى في مكافحة الفساد مثل بوتسوانا ، وإندونيسيا، ورومانيا، وجنوب إفريقيا، وأوغندا ، وفنلندا؛ وبلغاريا، وبولندا. وخلصت إلى وجود عدة عوامل تحدد مدى نجاح أو فشل مكافحة الفساد ، تمثلت في وضع الإطار القانونى والمؤسسي المناسب لمكافحة الفساد أو إصلاح القائم منها على الصعيدين الولائى والقومى، ووجود قاعدة من القيم التى تعزز مبادئ الاعتدال وضبط النفس والمصلحة العامة ومشاركة المجتمع المدنى، فضلا عن عملية التنمية السياسية والاقتصادية وتبنى نظام اللامركزية وإدارتها بعناية وإصلاح القطاع العام، وسيادة القانون والتطبيق الفعال للقواعد المؤسسية على المستويين الولائى والقومى، والفصل بين السلطات والتنسيق بينها وجمع المعلومات ومشاركتها.

مواجهة الفساد في دولة جنوب السودان

لابد بناء استراتيجية لمكافحة الفساد فى دولة الجنوب، ونركزعلى عدة نقاط، على أنه ينبغى الأخذ بها فى الحسبان عند قيام الحكومة بتصميم استراتيجية لمكافحة الفساد على المستوى القومى، ومن أبرزها تقييم أداء تقديم الخدمات المقدمة على المستوى الولايات وأهمية الإصلاحات القانونية والقضائية والمؤسسية على المستويين الولائى والقومى ، وتحديد التسلسل الهرمى للإصلاحات.

وختام أن مسألة الشفافية والمساءلة واحترام القانون تحتاج إلى إعادة تصحيح وتوضيح وتوعية، وأن هذا المزاج مكتسب ونتاج سياق مجتمعى معين، وسيستغرق بعض الوقت (تغيير عقل وفؤاد)، أى منظومة القيم.

و أن مشكلة مكافحة الفساد متعلقة بالديمقراطية الحقة، وإنفاذ القانون، وتنفيذ الأحكام والإطار الاجتماعى والاقتصادى (السياسات الاجتماعية والاقتصادية)، والحد الأدنى والحد الأقصي (العدالة الاجتماعية)، وأهمية التجديد الثقافي والتربوى القيم.