logo

يسمع كثيرون منا هذه الأيام مصطلح " الحكم الراشد"  علي ألسنة ساستنا الأفاضل ، لاسيما الجالسون منهم في مقاعد السلطة الوثيرة  في جوبا و عواصم الولايات و المقاطعات.

فقد أصبح المصطلح لشدة ما كثرت إستخدامه  بشكل جزافي ، مفروغاً من معناه  المجرد و محتواه  الذي يعني في إختزال غير مخل  إدارة شئون الناس بالطريقة التي يوفر العدل و يؤمن  المساواة و يحقق التنمية بأفرعها المختلفة الإقتصادية و البشرية و العمرانية و غيرها.

لقد درس علماء الإقتصاد  خلال القرن الفائت عقب إنجلاء غبار الحرب الكونية الثانية الظواهر الإقتصادية الناشئة بعد الحرب ، وبعد تدقيق و تمحيص  خلصوا  أن النمو الإقتصاد لبلد ما لا يشكل عاملاً حاسماً لتحقيق رفاهية مواطنيه وإن كان محركاً من محركاته ، وهي النظرية التي قلبت المفاهيم الإقتصادية القديمة التي كانت سائدة و تقرن التقدم و الرفاهية بمعدلات النمو الإقتصادي!!

فالعامل الحاسم هنا هو الحكم الراشد  الذي يعني في المقام الأول وجود نظام سياسي مستقر لتداول السلطة سلمياً يقود بدوره الي إدارة مثلي للموارد  و الإقتصاد، فالنمو الإقتصادي  قد يتم توجيه نحو فئة معينة من المجتمع و يستفيد منه شريحة محظوظة دون أخري في غياب الشفافية و الحكم الراشد وقد ظهر ذلك بشكل سافر في الدول الإفريقية السوداء التي إكتشفت فيها النفط فأصبحت الثروة النفطية  نقمة بدلاً من أن  تكون نعمة لأن إستغلالها تم في ظل أنظمة دكتاتورية شمولية بعيدة عن الديمقراطية وهو ما أدي الي تذمر جزء من السكان عندما لم تنعكس النمو الإقتصادي علي معاشهم اليومي فيما كانت الرأسمالية الطفيلية تنمو و تزدهر علي مرمي حجر من قيتوهاتهم البائسة!! و ما حدث  في نيجيريا  التي تعد من أكبر الدول الإفريقية المصدرة للبترول  يقف خير شاهد علي ما أوردته  و هي كذلك عبرة لمن يريد أن يعتبر.

ولا غرو ، أن عكس الكلام أعلاه صحيح تماماً ، فحينما يسود في بلد ما نظام حكم راشد و مستقر يتداول أبنائوه السلطة بالطرق السلمية المنصوصة عليها بوضوح في الدستور ، فإن فرص الصراعات المذهبية و القبلية تنعدم مفسحاً المجال نحو تخطيط إستراتيجي طويل الأمد ، يرنو الي مستقبل الأجيال البعيدة التي لا تزال في رحم الغيب.

مثل هذا البلد حتي و إن لم يكن يذخر بموارد طبيعية يصبح قادراً علي النهوض و بلوغ الرقي الإجتماعي عن طريق التنمية البشرية المستمرة و المستدامة.

وكمثال فقط فان  جمهورية كوريا الجنوبية التي  إستقلت في نفس العام الذي نال فيه السودان إستقلاله ، كانت دولة فقيرة معدمة  تتفوق عليها السودان في كل المجالات   خلال  تلك الفترة بحسب تقارير الأمم المتحدة!! اليوم  أنظروا كيف إنعدمت المقارنة بين السودان و كوريا ! فراسمال شركة هيونداي  للسيارات  وحدها تساوي أضعاف الميزانية العامة للسودان حتي بعد إكتشاف البترول!!

لم تكن كوريا الجنوبية  لتبلغ هذه الدرجة من التقدم  و تحقق تلك الطفرة  الهائلة وهي الخارجة لتوها من حرب ضروس مع جارتها الشمالية  إنتهت بإنفصالها عنها،  لولا إدراك قادتها لسر تقدم الشعوب ، الإ هو الحكم الراشد و التخطيط السليم، فيما إنغمست قادة السودان وساستها منذ ذاك التأريخ الي يومنا هذا  في جدل عقيم حول هوية البلد ، أهي عربية أم إفريقية ، أم أفروعربية و هو جدل علي أي حال من الأحوال لا يبدو أنه سينتهي علي المدي القريب المنظور!!

و لحسن الحظ  فإن جنوب السودان الموصوم اليوم بأنه أرض المجاعات و الصراعات القبلية و غيرها من الإضظرابات، يملك فرصة نادرة بعد الإنفصال ليثبت للعالم و لخصومه قبل الأخرين  ، أن دولة  حديثة ناجحة يمكن ان تولد من وسط كل هذه الفوضي و تنهض شامخة من بين كل هذه الأنقاض و الركام  كما كوريا الجنوبية التي كانت لا تسوي شئ بالنسبة لسودان القديم في منتصف خمسينيات القرن الماضي.

ولكن هذا تحقيقه رهن بفهم قيادتنا لمعني الحكم الراشد  و تطبيقه علي ارض الواقع  بحذافيره  و المثابرة و بعد النظر ، و الأ يكون مجرد شعار يلوكه ألسنتهم لزوم وجهات و قشرة سياسية  كما نراه اليوم ، فهذه  الأيام ما  أن تدير جهاز التلفزيون أو الإذاعة لتسمع نشرة الأخبار الرئيسية أو غير الرئيسية  أو تحضر ندوة أو حتي جلسة أنس أطرافها  سياسيون حتي تجد كلمة الحكم الراشد مقحوماً  بشكل معتبط  في سياق جملهم  المنمقة عن أحوال الناس و أحوال البلد و المستقبل، فيما تجد غالبتيهم  ابعد  خلق الله عن مفاهيم الحكم الراشد حتي داخل وزارتهم  و مؤسساتهم هذا إن لم نقل  داخل منازلهم أيضاً.

كيمي جيمس أواي

الأحد 6 يونيو 2011