logo

تنبأ الكاتب الجنوبي جون قاي نوت قبل أكثر من خمس سنوات على التوقيع على إتفاقية السلام الشامل في كتابه جنوب السودان آفاق وتحديات , عن أنه لامحالة لإنفصال الجنوب قائلاً : ( ...إن الإنفصال في السودان آتٍ عاجلاً أم آجلاً ... إن القضية بالنسبة لسكان الجنوب ليست قضية نظريات وأيدولوجيات لأنها أخذت طابعاً سيكولوجياً وتشبثت في ثقافتهم السياسية ولا يمكن لأية قوة في السودان أو خارجه منع حدوثه ) صفحة 86 .

نبوءة الكاتب هذه إنما تعتبرتحليلاً غاية في الجدية , وقراءةً حصيفةً وعميقةً للراهن السياسي في السودان آنذاك , مما حدا به القطع مسبقاً بإستقلال الجنوب , والكل يعلم الآن اننا نستشرف إعلان دولة جنوب السودان في التاسع من يوليو من العام الجاري بعد أن صوت الجنوبيون للإستقلال بنسبة أبهرت العالم أجمع  , وحتى أعداء الجنوب أنفسهم . ما ذكرت كان توطئة لما أُود بسطه أمام القارئ والمثقف الجنوبي .

نعت السيد باقان أموم أوكيج وزير السلام وتنفيذ إتفاقية السلام في حكومة الجنوب , السودان بـ " الدولة الفاشلة والمنهارة والفاسدة " في ندوة صحيفة أجراس الحرية في الرابع والعشرين من يونيو للعام ثمانية وألفين وقد كان يشغل منصب وزير مجلس الوزراء وقتذاك مما أثار ثائرة عدد من المتنفذين بحزب المؤتمر الوطني والمُدَّعِين الوطنية الحقة , للتكالب عليه , كلفه ذلك حقيبته الوزارية . وفي حقيقة الأمر لم يكن ذلك القول من بنات أفكار السيد باقان ولا من إختراعه , بل أنه ذكر ما جاء في مؤشر الدول الفاشلة من صندوق السلام في واشنطن في العام ثمانية وألفين , وقد إستحق السودان التنبيه للأعوام 2005 , 2006 ,2007م من ذي قبل إلا أنه تصدر تلك القائمة الشؤومة -إن صح التعبير- في العام 2007م عندما حصل على 113 نقطة , كما ذُكر أيضاً في مجلة " السياسة الخارجية "الأمريكية , أما في العام ثمانية وألفين فلقد تأخر السودان قليلاً فجاء في المرتبة الثالثة  مفسحاً المجال للصومال وزيمبابوي .

أما السؤال المهم والذي يفرض نفسه هنا هو , هل السودان حقاً دولة فاشلة ومنهارة وفاسدة ؟! وللإجابة على هذا السؤال علينا أولاً إدراك ماهية الدولة الفاشلة , أو ما هي مظاهر الدولة الفاشلة ؟! ولمحاولة الردود على هذين  السؤالين وما شاكلهما , يقول المؤلف نعوم تشومسكي في كتابه ( الدول الفاشلة  FAILED STATES ) والذي كانت طبعته الأولى في العام 2006 " إن الدول الفاشلة هي الدول ذات حكومة مركزية ضعيفة أو غبر فعّالة حتى انها لا تملك إلا القليل من السيطرة على جزء كبير من أراضيها " وقد جاء أيضاً " إن الدول الفاشلة تلك التي لا تستطيع القيام بوظائف أساسية  كالتعليم والأمن والحكم  , وعدم المقدرة على لعب وظائفها الرئيسية يمثل تهديداً للأمن القومي . ومن هذا المنطلق  يمكن أن نخلُص إلى ان الدولة تصنف فاشلة :

- لعدم القدرة على حماية مواطنيها .

- لغياب الديقراطية فيها .

- لتهديد الدولة للأمن الدولي .

ومن هنا قارئي يمكنك أن تضع لنفسك قائمة بالدول الفاشلة .

أما ما أود شد إنتباه قارئي العزيز إليه , أننا في جنوب السودان بصدد إعلان دولةً , مما يضعنا ذلك أمام تحدٍ صعبٍ , لأنه إذا إفترضنا أن السودان دولة فاشلة وجنوب السودان بصدد الخروج منها , ألن يكون جنوب السودان دولة فاشلة لأنه خرج من صلب السودان الفاشل ؟! أو بمنطق آخر , هل ينتج الحنظل عنباً ؟ أليس من الحنظل يخرج إفسنتينٌ ؟! . ما حدا بي إلي قول مثل هذا القول والذي يبدو غير مستساغٍ لآذان كل الجنوبيين , لأن تصويتهم للإستقلال بقلب واحدٍ ونفسٍ واحدة إنما يؤكد رغبتهم الماسة للتغيير والنجاة بأنفسهم من أتون تلك الدولة " الفاشلة " , ولكن شتان ما بين الطموح والواقع , فوفقاً لما طرحناه من تعريف ٍ للدول الفاشلة ومظاهرها , يبدو أننا نصاب بهذا الداء العضال والمميت - إن صح التعبير -أي أن الأعراض بدأت تبين علينا , ورُبَّ جنوبي وطني وغيور ينتهرني قائلاً : " إن دولة جنوب السودان لم تولد بعد , فلما لا نتريث قليلاً إلى أن تولد ومن ثم نحكم عليها " ولكني أُجيبُ فأقول : إن الداء لابد وأن يدرك مبكراً قبل أن يستفحل أو يستشري في كل البدن , وهنا أرى أن الكثيرين يتفقون معي أنه يجب إدراك دولة جنوب السودان لكيلا تولد " فاشلة " , فالآن , هناك ريبة في عدم القدرة على حماية المواطنين بل أن مواطني الجنوب يستغيثون طلباً للحماية من ويلات الهجمات هنا وهناك وليس من يجيب , ويبدو إن الديموقراطية غائبة ولسان حالنا يقول " أين أنت ِ يا الأمورة - أقصد الديموقراطية " .

وقصارى القول فإن الأمر يعود علينا جميعاً دون أدنى إستثناء كأبناء جنوب السودان والحادبين على نجاحه , وبالأولى قياداتنا وقادتنا في حكومة الجنوب والأحزاب السياسية والجيش , بوجوب الكد والجد , وبذل الجهود الجبارة للنجاة بدولتنا الوشيكة والوصول بها إلى بر الأمان , فالأمر لا يستدعي الإنتظار , لقد طمحنا بالفوز بدولة وها نحن ذا , وليست مجرد دولة ترزح تحت عجلات الفشل , بل دولة تقمع التهميش وتسودها الحرية والعدالة والسلام في إطار ذهبي من الديموقراطية الحقة والأمن والسلام , وذلك ليس بالمستحيل إن عقدنا العزم .

أخيراً , فالتحدي الأكبر ماثلٌ إزاء الحركة الشعبية رُبان السفينة , هل ستكون عند حسن ظننا , ونحن نري الأنواء تعصف بنا الآن ؟ فإن أهملت أو تظاهرت بعدم المبالاة , نكون بذلك قد أثرينا قائمة الدول الفاشلة بميلاد دولةٍ حديثةٍ فاشلةٍ , وعندها ينطرب الأعداء ويهنأوا شماتةً , ولسان حالهم يقول " ألم نقل أنهم فاشلون " .

سايمون أبرام أوضوك

18 أبريل 2011 م