logo

الإستفتاء  2011قد لا يختلف الكثيرون بأن نتيجة الإستفتاء التي جاءت باختيار الغالبية العظمى من سكان جنوب السودان الإنفصال بنسبة (98.83%) بإنها نتيجة واقعية نسبة للأسباب التاريخية التي أدت الى هذا الإختيار، وهذه النتيجة كانت ومازالت تمثل حلم الجنوبيين كافة حتى الذين ماتوا إن كان بسبب الحرب أو المرض أو الجوع وغيرها كانوا يحلمون بأن يشاركوا في صنع هذا التاريخ العظيم ولكنهم لم يستطيعوا وبرغم ذلك لقد حققنا لهم حلمهم ونعتبر إن دماءهم لم يسيل حبساً ، فليرقدوا بالسلام.

فكان إعلان النتيجة فرح بهيجة عمت أوساط الجنوبيين إبتهاجاً بدولتهم القادمة ليعيشوا في السلام والإستقرار والمحبة والحرية تلك العوامل التي كان إنسان الجنوبي يفقدها عبر السنين.

وحتى المجتمع الدولي هو الآخر من تنفس سعداء بإعلان النتيجة لانهم أرادوا منذ بعيد إنفصال الجنوب عن الشمال بسبب إن الإنفصال سيؤدي الى سلام دائم بين الشمال والجنوب على حسب نظرتهم وإليك أيها القاري العزيز بعض من مختطفات أقوال المجتمع الدولي عن إعلان إنفصال الجنوب:


وزارة الخارجية السويسرية في بيان لها صدر بعد إعلان تلك النتائج ما وصفته  "بالهدوء النسبي، والطابع السلمي والمنظم الذي رافق عملية الاقتراع". حيث قالت ميشلين كالمي-ري، رئيسة الكنفدرالية، ووزيرة الخارجية بهذه المناسبة: "إن الاستفتاء كان خطوة أساسية ومهمة في اتجاه وضع أسس سلام دائم في تلك المنطقة".

يأتي هذا الموقف السويسري عقب اعتراف الرئيس السوداني عمر البشير رسميا بنتائج الإستفتاء الذي أقر للجنوبيين.

رحبت الولايات المتحدة بلسان رئيسها باراك أوباما بإعلان النتيجة لصالح الإنفصال بقوله أن بلاده سوف تعترف بجنوب السودان "المستقل وصاحب السيادة" بحلول شهر يوليو القادم. وقال الرئيس الأمريكي يوم الاثنين 7 فبراير: "اهنأ بإسمي وباسم الشعب الأمريكي سكان جنوب السودان بالنجاح الذي توّج الاستفتاء، والذي اختارت فيه الغالبية العظمى منهم الاستقلال والانفصال".

الموقف نفسه رددته كذلك كاترين أشتون، مسؤولة العلاقات الخارجية بالإتحاد الأوروبي، التي حيّت الاستفتاء، مضيفة: "إنها لحظة تاريخية بالنسبة للسودان. ونحن نحترم نتيجة الاستفتاء التي تعكس بحق إرادة سكان الجنوب". وجاء في بيان وقعته أشتون: "سوف يعمل الإتحاد الأوروبي من أجل إقامة شراكة واسعة وطويلة المدى مع الدولة الناشئة في الجنوب".

أما الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، فقد "هنأ سكان جنوب السودان لمشاركتهم الواسعة في هذا الاقتراع التاريخي"، كما أشاد بمن أسماهم "شركاء اتفاق السلام الشامل الموقع في عام 2005 لما أبدته تلك الأطراف من مسؤولية بقبولها دون ترددللنتائج التي أفرزها الإستفتاء".  كما وعدت فرنسا على لسان رئيسها بأن "تقف إلى جانب جميع السودانيين لمساعدتهم على اجتياز هذه المرحلة الانتقالية في أحسن الظروف في الشمال كما في الجنوب". وغيرها من الدول العالم التي لم أتزكر ترحيبهم بإعلان الجنوب.

لكن حلم الجنوبيين قد يتحول الى أحد أفلام الشبح ومصاصي الدماء حيث تصاعدت الصراعات القبلية في الجنوب وتزايدت إنشقاقات وسط الجيش في ظل فشل تام من قيادة الحركة الشعبية وحكومة الجنوب في حل هذه الصراعات واقف الإنشقاقات وسط الجيش ووقف القتال الذي يموت فيها مئات من المواطنين والأطفال بيد جيش الحكومة. هل ترى كيف يكون شكل الدولة التي سيتم إعلانها في يوليو القادم؟ أكيد ستكون الدولة من غير قانون والعدالة وستكون دولة الحركة الشعبية وحدها لانها حتى الآن رفضت تطبيق نتائج التي أسفرت عنه الحوار الجنوبي- الجنوبي، بل هي منفردة بشكل تأم بأمور هذه الدولة الوليدة وترفض مشاركة أحزاب الأخرى في اللجان التي تمت تكوينها لوضع الدستور ولجان أخري. كيف سيكون شكل هذه الدولة؟ ستكون الدولة من غير جيش منظم (دولة مليشيات) وأفراد نهب المسلحة ضد ممتلكات المواطنين. هل هذه هي إمنيات الجنوبيين في في شكل الدولة القادمة ؟ وهل هذا سيقنع المجتمع الدولة لإعلان جنوب السودان كدولة مستقلة؟ وهو الجيهة الوحيدة التي سنحتاج الى دعم قانوني وسياسي ومادي. نهيك عن موقف ودعم دول الإتحاد الأفريقي، وقراءة في شكل العلاقات التي ستكون بين الشمال والجنوب مع إحتمال إندلاع حرب بينهما.

حجم الصراعات القبلية والسياسية في جنوب السودان:-

تقرير عن شرق الأوسط إن منذ إندلاع الصراعات القبلية بين قبيلتي ((الدينكا والمورلي)) في ولاية الجونقلي عام 2005 أي بعد تكوين حكومة وحدة الوطنية أن عدد القتلى بين الصدامات، التي وصفت بأنها عمليات «ذبح للنساء والشيوخ والأطفال»، بين القبليتين خلال أقل من 3 أشهر، إلى أكثر من 1000 شخص. وعبر دبلوماسيون غربيون يراقبون اتفاق السلام الشامل «اتفاق نيفاشا»، الذي أنهى الحرب الطويلة في جنوب البلاد، عن بالغ قلقهم حيال ما يصفونه بتصاعد الصدامات القبلية في الجنوب، فيما ترفض الحركة الشعبية وصف ما يحدث في الجنوب بين القبائل من صدامات بأنه تصاعد «للصراعات القبلية»، وترى أن الأمر فيه الكثير من «التهويل الإعلامي».

غير أن بعض السياسيين الجنوبيين والسودانيين وصف هذه الصدامات القبلية في الجنوب بأنها «انفلاتات أمنية»، وهي نتيجة عن فشل إداري للحركة الشعبية بعد توليها زمام الأمور في الجنوب، على خلفية توقيع اتفاق السلام الموقع بينها وحزب المؤتمر الوطني الحاكم بزعامة الرئيس عمر البشير، في سنة 2005. ويعيش في جنوب السودان نحو 153 مجموعة اثنية تنتمي إلى نحو 63 مجموعة قبلية كبرى، أكبرها قبائل: «الدينكا» المعروفة بأنها واحدة من أكبر قبائل أفريقيا، و«النوير»، «والشلك»، و«الباريا»، و«الزاندي». وحسب تقارير رسمية من جنوب السودان، فإن الصدامات القبلية تدور الآن بين بطون قبيلة الدينكا بعضها بعضا في ولاية بحر الغزال الكبرى، وبين مجموعات مختلفة داخل قبيلة «النوير» في ولاية الوحدة الغنية بالنفط، وبين قبيلتي «الدينكا والشلك» حول منطقة «ملكال». وتشير التقارير إلى أن أعنف هذه الصدامات تلك التي تدور بين قبيلتي «المورلي والنوير»، حيث بلغ عدد القتلى بين الطرفين نحو 1000 شخص خلال 3 أشهر، ثم صدامات بين قبيلتي «الدينكا و المورلي». وتنبه التقارير إلى أن الاشتباكات القبلية في الجنوب صارت تخلف في كل حادثة عددا كبيرا من القتلى، وترد التقارير ذلك إلى حدة المواجهات، فضلا عن الاستخدام الواسع للسلاح الناري، الذي صار متفشيا في الجنوب، حسب التقارير.

الحقائق التي إستندت عليها هذا التقريرموجود لدي مجتمع الدولي ومصدرها قبائل التي تتصارع في الجنوب وحكومة الجنوب لم تضع حلا جزرياً حتى الآن. عداءات بين المورلي والدينكا والنوير في ولاية جونقلي مازالت مستمرة ليست هنالك إتفاقيات الصلح بينهم حتى الآن.

الصرعات في أعالي النيل بين الشلك والدينكا هي الأخري الأعنف دموياً وتتصاعد يوما بعد يوم وإزدادت تصاعداً بعد إعلان النتيجة لصالح الإنفصال وهذه الصراعات يقودها الجيش الحركة الشعبية والحركة الشعبية نفسها ياترى ماذا سيحدث للجنوب في ظل فشل القيادة في إحتواء هذه الصراعات بل إنها تضخم من حجمها؟

الحركة الشعبية كحزب حاكم فشلت في السلطة وفي حوار مع المنشقين من الجيش أمثال جورج أطور وياوياو في ولاية جونقلي، وقلواط قاي في ولاية الوحدة وكذلك عبدالباقي أيي في شمال بحرالغزال ومجموعات المسلحة في أعالي النيل في منطقة الشلك. الحركة الشعبية تريد تصفية هذه القيادات والمجموعات دموياً قبل التاسع من يوليو وهذا مستحيل على الحركة وحكومة الجنوب أن ينفذها في قوة المنشقين على جيش الشعبي. النهج المتبع في السياسات الحركة الشعبية مع الأحزاب والمسلحين هو نهج فاشل لانه يقوم على إحراق الدماء بين أبناء الجنوب لذلك لن تنجح حكومة الجنوب في إدارة هذة الأزمة، هذا تأثيره كبير على قبول مجتمع الدولي لإعلان الجنوب كدولة مستقلة في التاسع من يوليو القادم.

الآن أصبح كثير من المراقبين في الداخل والخارج باهتمام بالغ حول مستقبل دولة جنوب السودان الوليدة، وذلك تحت ظل المعطيات الراهنة بكل ما فيها من مظاهر عدم الاستقرار واندلاع الصراعات القبلية والتقاتل على السلطة والثروة، خصوصاً أنهم يعرفون تماماً أن هذه الدولة لا تملك أي رصيد تراكمي أو خبرة إدارية وسياسية فالدولة خرجت من رحم حركة انفصالية مقاتلة استندت على الذراع العسكري أكثر من استنادها على خبرات سياسية وإدارية تساعد في بناء تلك الدولة.

فالدولتنا الوليدة بالتأكيد ستكون دولة فاشلة لعدم قدرة حكومة الجنوب وحزب الحاكم على كيفية التعامل مع إنفلاتات الأمنية إن وقعت كما هو وضع الآن في الجنوب فالدولة ستفتقر قاعدة سياسية وبنية تحتية تفي بمتطلبات قيام دولة حديثة ومستقرة، فمن حيث الهياكل الإدارية التي تقوم عليها أي دولة ضئيلاً جداً. إذاً الدولة تفتقر للقدرات البشرية المطلوبة، وكذلك البنيات التحتية ضئيلة وهزيلة.. إذ لا يوجد إرث تراكمي لكيفية إدارة الدولة، فضلاً عن عدم توفر أمة مكتملة الملامح ؛ بسبب كثرت القبلية في المجتمع الجنوبي.. لان ما يجري الآن في الساحة الجنوبية من صراعات واحتراب وقتال هذه الصراعات كانت في الماضي تدور لأسباب قبلية فقط ، ولكن اليوم الصراع بات صراعاً سياسياً ينشد فيه كل طرف الحصول على السلطة السياسية، وهذه الصراعات في تقديري لن تتوقف! فالصورة عموماً لا تبعث على الاطمئنان، وحدوث تنمية في الجنوب يبدو أمراً ضعيفاً ومشكوكاً فيه. في إصرار الحركة الشعبية بتولي زمام الدولة الوليدة لوحدها دون إشراك الأحزاب الجنوبية فيها وإطلاق إتهامات لبعض منها بإنها اعداء الجنوب و ما نخشاه نتيجة لهذه الظروف أن تكون الحروب الأهلية والحروب الداخلية هي الملمح الأساسي لهذه الدولة وهو أمر سيؤثر كثيراً بالعلاقات مع دول الجوار وفي مقدمتها شمال السودان. فما هو شكل الدولة التي تحتاج الحركة الشعبية أن تبنيه دون الأخرين وبقوة السلاح دون لغة الحوار؟ وحتى إن تم إعلانها يوم 9 يوليو بشكل الذي نراه الآن، كيف يصبح الوضع عندما تكون حكومة سلفاكير ورفاقه دون مشاركة احزاب أخرى؟

كيف ينتهي تمرد جورج أطور وقلواك قاي وآخرين ومتى يتم ذلك؟

هذه الأسئلة مهمة جداً ويجب على حكومة الجنوب والحركة الشعبية أن تبحث عن أجوبتها قبل 9 يوليو دون إحراق الدماء.