logo

people

بقلم/ فرانسيس مايكل قوانق
مقدمة
إختلافات أو إنقسامات بسبب اللغة أو الهوية، هي قضايا مصيرية في إفريقيا نهايته حروبات أهلية بسبب هيمنة الأقليات على السلطة، فإذا نظرنا إلى هذه الجماعات التى تحارب نفسها سنجد أنها تتنازع على قضايا "الأرض ، السلطة، الكرامة" وهذا قضايا ينظر إليه البعض إنها سطحية لا تستحق الحروبات وجوهرية في نظر الأخرين تستحق الموت "إختلاف الرؤية"، وهذه معادلة بسيطة، حيث أن العامل الإقتصادي والفروقات المجتمعية الناتج من هيمنة الأقليات على الثروة وتوزيع غير العادل، نتائجها هي الإنقسمات الإثنية دوماً وتدخل اللغة او الهوية ضمن تفاعلات الأزمة، وهذا يقودنا إلى أن أزمة المثقف في جنوب السودان سياسيا وإجتماعيا ، لم يذهب بعيداً عن ذلك بجانب إفتقاره للأيدولوجية والتفكير السليم نمُوزج هنا "الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان".

(1)
تاريخ تاسيس الحركة الشعبية في الثمانينات القرن الماضي ، بدأت بإنقسامات بسبب أزمة الإيدولوجية في كيفية وضع أهداف الحركة ما بين الإنفصالين والوحدوين ، إلى أن وصلت إلى تصفية قياداتها، إنحرفت الأزمة إلى منعطف إثني مستعصي من وقتها بين القبائل لاسميا قبائل النوير والدينكا، الى ان جاء المفاصلة التاريخية الأول "إنشقاق ناصر" عام 1991، تبعها العديد من الانقسامات سوا كانت إثنية او سياسية، وصولا الى التوقيع على إتفاق سلام نيفاشا، تفأقمت أزمة الحركة مجدداً وإندلعت الحرب المؤجل منذ العشرين عاماً في العام 2013، لفشل الجميع في مخاطبة أزمة الإثنية كواحد من جذور المشكلة داخل الحركة الشعبية كمنظومة تحررية ناضلت لاكثر من ربع قرن.
لتسليط الضوء على أزمة الإثنية في جنوب السودان كيف نشاء وظهر كأزمة الدولة يحتاج لإعادة النظر الى توزيع الجغرافيا البشرية و الأصل والهجرة لقبائل الجنوب ، وهذا يقودنا ايضا الى محور الدراسة ومعرفة تكوين الأحزاب السياسية والحركات المسلحة تاريخياً بجانب الروابط الإجتماعية ككيانات تمثل مواطني جنوب السودان نيابه عنهم وتعبر عن مبأديهم وأخلاقياتهم وتطالب أيضاً بحقوقهم الأساسية او تقدم لهم الخدمات في شكل حكومات، وأن كان هذا الإجسام لا يعطي الديمقراطية المنشودة بإنفراد مجموعة معين بحكم الجميع حسب أفكارهم، ومثل هذه الإشكاليات المتعاقبة تودي إلى إنفجار الأزمات بسبب هشاشة النظام "الحزب او الحركة" او فشل جهود الديمقراطية وإنتشار المجموعات المسلحة وغياب الحوار الجاد بين المجموعات المعارضة سلمية ام مسلحة كانت مع الحكومة.

(2)
التحولات السياسية والإجتماعية للحركة الشعبية مع مرور الزمن ، من منظومة جماعية إلى منظومة إنفرادية "إثنية" وسياسة التكتلات وبرغم من الدعوات لإجراء الحوار حول هذه الإشكاليات المتكررة، إلا أن الفشل الكبير يرجع الى نتائج طبيعية لإشكالية السلطة في السودان القديم التي تتركز دوما على "تقاسم الثروة"، وقد شهدت إنقسامات حزبية وعدم قدرة الاحزاب او الحركات الجنوب سودانية لسطر تاريخ نظيف نحو الحداثة أي ما بعد التطور.
الإنتماءات الحزبية أو الشعور بالإنجزاب نحو نشاط تنظيمي لدى الفئة المثفة في الجنوب منذ مطلع القرن التاسع عشر، لم يتغير فكريا نمطيا بهدف الخروج من التقليدية إلى مرحلة حداثة الأيدولوجيات، حيث ظل المثقف الجنوب السوداني متمسكاً بالفكر التقليدي المتسلطة ذات الطابع الإثني في كيفية الصعود والوصول الى السلطة، (القبيلة سلم السلط). وهذا جيل وراء الجيل بدافع نحن نحكم (الثروة).

مع إستقلال جنوب السودان فشلت الحركة والأحزاب السياسية في معالجة أزمة نصف قرن كامل من جذوره وإنقسم المجتمع الجنوب السوداني وان كان الحوار الجنوبي الجنوبي مخرج نصف أمن بهدف بناء الدولة ، إلا أن تصاعد الطبقات في الفترة الإنتقالية التي سبق الإنفصال واصبح المجتمع منقسم ما بين طبقة الأغنياء والفقراء اي مواطنين من الدرجة الأولى والدرجة الأخيرة وأصبح التحول من نظام الغابة الى المدن صعوبة للغاية بهدف الإنفراد بالسلطة وممارسة سياسة "فرق تُسد" بين مكونات الحركة نفسها حيث تم تصنيف من هم كانوا في المدن التي تقع تحت سيطرة حكومة الخرطوم بـ "الجلابة" إختصارا لمفهوم التحرير ، وان الحرب كان بين السود والعرب أيضا صنف العائدين بمثقفي شرق افريقيا في إشارة الى ان تلك المناطق على انها متخلفة "مواطني المُخميات او المعسكرات" هذا خلق نزاعاً جديداً بالإضاف الى نزاع الإثني وهذا ما أشرت إليه في مقال سابق عن الهوية واللغة "أزمة بناء الدولة" ، عندما اصبح المرجع هو لغة الأم عندما يفشل الجميع في التفاهم في جميع المستويات.
عودة الى المقال تصاعدت الطبقة الجديدة مستفيداً من ثروات الدولة "باسم نحن حاربنا" في اقل من عشرة سنوات وبدأت تعمل من اجل تكوين طبقة جديدة تسيطرة على الثروات ونفذت هذه الطبقة نفس سياسة الجلابة الذي يعرف بسياسة "التهميشط لدى النخب المثقفة او المناضلين التحررين نفسها، لكن مشروع الثراء ، تم على حقوق المهميشين في الهامش ، وكما كانوا مهمشين في السنوات الطويلة أصبحوا أكثر فقراً في سنوات أقلة.

(3)
إذا إعتبرنا أن الفرد نواة للمجتمع ومصدر قوته، فلا يمكننا فصل الأفراد عن قبائلهم إيماناً لدورهم الفعال، لكن المجتمع ككل يحتاج لأفراد ذات إيدلوجيات تحمل أفكار تحقق تطلعات الشعب سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا وليست تطلعات مجموعات معينة إقتصاديا (الثراء من المال العام)، هذا ما فشل في تحقيقه لأكثر من نصف قرن منذ الاستقلال "السودان القديم"، اندلعت حروبات بدءاً بالتمرد من بعده تمرد اخر نفس الاسباب نفس الهموم ، إلى أن وصل الامر الى إنفصال الجنوب عن الشمال وظلت القضية قائمة وهو (التهميش).

إذا كان التعاون هو غاية لتحقيق الاهداف ويساعد على تماسك الشعوب، في مقدمتها الروابط الإجتماعية والجماعات الحزبية والعسكرية، في تكوين نواة قومي يخاطب قضايا التهميش والتنمية وغيره، فهذا في تقديري أخطأت جميع الحركات والروابط السياسية والإجتماعية في جنوب السودانية في فهم مبادي التحرر وما بعد التحرر وهذا ما تعيشها دولة جنوب السودان وشعبه.
عليه قاد كل هذا الأسباب الى فشل جيل كامل في كيفية إدارة إشكالية الإثنية وفهم ما بعد التحرر، ولم تعطي الجيل المقبل مساحة لتعبيره او على اقل عرض فكرة الحداثة، والدليل هو الانقسامات المتكررة داخل هذا الروابط الإقليمية والتنظيمات الطلابية في الجامعات كانت حركات مسلحة اواحزاب سياسية، نموزج "الحركة الشعبية" وبرغم من المزاعم إن إشكالية القيادة هو السبب، لكن الصبغة الحقيقية ورا ء هذه الإنقسامات هو الصراعات الإثنية.

المعروف هو أن كل هذا الأجسام يعاني من اشكالية الثقة والرؤية، وحدثت إنتكاسة لمشروع القومية وتلاشت فرص التحول من قومية إثنية تحررية لهدف معين ، بمفهوم المصلحة الخاص الى قومية سياسية مدنية بمفهوم مصلحة العام، وهذه صفة مكتسبة من المفترض ان يتم إكتسابها عبر الأنشطة الحزبية والحركات التحررية وغيرها لاكثر من ربع قرن لكن ما انتهاء الحرب إنشطرت الكتلة وعادة الفردة إلى القبيلة.

بالعودة إلى تكوين الاحزاب السياسية والروابط الإجتماعية ، نجد ان سيطرة التنظميات العسكرية على الساحة السياسية في جنوب السودان، لم يتم تضمين مفهوم منهج الثقافة السياسية والاجتماعية "التنوع العرقي" في مفهوم العمل السياسي التحرري، لكن افرازات الفشل في صناعة ذلك نتج دولة عدوانية سياسياً، انعكست على سلوك أفراد (جيل ما بعد الحداثة) واصبحوا غير قادرين على التعبير عن انفسهم بصورة مستقلة اخلاقيا وسياسيا خلاف اتباع الانظمة التقليدية بغرص (الثراء)، وانتهت المشروع "أزمة الوطن".

(4)
ثقافة الإنقسامات المجتمعية بسبب الصراع على السلطة وسط الفئات المثقفة في جنوب السودان في إعتقادي إنها غيرت مجرى التحول الفكري الإيدولوجي للمشروع القومية "دولة المدنية" من أجل بناء دولة الإثنية على حساب مشكلة الأمن، الذي يخلقها أزمات التحول من السلام الى الحرب.

وهذا تعود بنا الى قضية التهميش في مفهوم هولاء الفئة حيث لم يقوموا بتصويره بصورة جاده بل ان الفشل في تقديم المطلوب منهم من فترة بعيد كان كافي اعتقادي على انهم جيل لا يُصلح لبناء الدولة نسبتاً لما سطروها من التاريخ شملت خلافات نتائجها إنقسامات إثنية بداً ، ولكن أين تكمن الخطورة في الوقت الحالي هو ان افرازات جيل الحركة الشعبية ومن سبقهم من الأحزاب السياسية الأخرى التقليدية، منذ ظهور ما يعرف بمشكلة "الجنوب" ، إنتقل هذه الإشكاليات إلى جيل ما بعد الحداثة وهذا يشكل خطر كبير على مستقبل الدولة وقد يقود الى المذيد من الإنقسامات جغرافيا بمفهوم الحريات والنزاع على الثروة والسلطة والأرض.

إن الصراع الخفي والذي عقب تأسيس الحركة والذي إمتد لأطوال فترة في تاريخ نضال الحركات المسلحة والسلمية في جنوب السودان، اثرت على طريقة تبني إيدلوجية معين لاسيما رؤية الحركة الشعبية ، وهذا ما نتج عنه صراعا أخر ، وقامت المجموعات بخلق صراعا سياسيا تحولت الى عمل مسلحة "تجربة مسبقة"

(5)
الصراع الجديد هو حرب بين المثقفين المتثاقفين "الوطنين" ، لكنهم قبلين بمعنى الإمتياز ومجموعات الأخرى الذين يطلقون على انفسهم الأصولين اي خلاف المثقفين "القوميون" فهم ايضا لاعبين على وتر المشاعر الذاتية لفئات المهمشة.
عليه فان الصراع الخفي المتجدد بين التيارات الحركية والتناقض العكسي للفكر والمشروع الوحدوي والإنفصالي وتصاعد طبقة "الدكتاتورية" على حساب "المهمشين"، برفع شعارات "الحرية، الكرامة، الوطنية" لكن هذا انصدمت بالطموحات الإثنية بهدف الإنفراد بالسلطة.

شكلية التناقض الكبير والتنافس على السلطة والأرض والثروة، وضع الجميع أمام خيارات من بينها اما قبول التعددية الإثنية من اجل بناء دولة المدنية وهذا كان امر صعبة للقيادات الحركة وعادوا الى تاريخ تاسيس الحركة، اما مرحلة الثانية فهو ممارسة الديمقراطية التعددية الذي يناسب الجميع، لكن الحركة انجرفت الى مشروع الإثنية وهذا بدوره وضع الدولة الى مشروع "اللأ دولة".

سؤال هل نحن ماضون الى الأمام؟
هذا بطبع يحتاج لتفسير أكثر هل نحن ماضون إلى الأمام لتأسيس دولة المدنية؟، هذا التسأول طرحت قبل الإستقلال وبعد الإنفصال، بدءاً من مشروع الفدرالية ثم السودان الجديد الى ان وصل الى الإنفصال ، ومزاعم من يطلقون على أنفسهم اسم مشروع القومية اي القوميون الجدد ومشروعهم الجديد كان بداية تعثر حقيقي بين التعددية الإثنية والإنفرادية الإثنية.
تعامل الناس مع تجربة الحركة الشعبية بسبب إختلاف المعسكرات والتيارات الفكرية من مشروع الإنفصال الى القومية ثم الإنفصال مجددا ورغم الحماس من قياداتها بقيام دولة الموسسية "المدنية" ظهر جلا انها كانت خادع للشعب. وهي ان خلافات التاريخية للحركة الشعبية كان لها الأثر الأكبر ، إلا أن ما بعد الإنفصال إنجرف البعض إلى بناء سياسات جديدة وأنتنج عنه مقوله أنا او لا أحد او "انا ومن بعده الطوفان".
يمكن القول ان الحركة الشعبية كمنظومة تحررية لم تقوم نخبها السياسية والعسكرية بدراسة أثار الصراعات الإثنية التي صحبت الحركة منذ بداياتها في الثامنينيات القرن الماضي من تجارب النزاعات القبلية او تجارب التحول من حركة تحررية الى حركة مدنية، رغم العامل المساعد من الإختلاط والتباين العرقي والتوزيع الجغرافي وهي عوامل كان كافية لدراسة صراع مدتها ربع قرن، وهذا يعني ان تجربة الحركة الشعبية هذا لم تذهب بعيدا عن تجارب الحركات الدينية التي تتم وصفها إنها حركات جمودية تقف في وجه التطور وتقوم بتقييد شعوبها وتحرمها من الحقوق الأساسية وهذا ما حدث في أوربا القديم أي ما يعرف ب"عصور الظلام"

إن انتقاد دولة الإثنية والذي يمد شرعيتها من جماعة معين فكرياً على حساب العام مدخل لقيام دولة المدنية وهذا ما يمكن ان يتم تطبيقة للإعادة صياغة التاريخ من الجديد ، فلا أعتقد ان هناك من يطالب بالسلطة معتمدا على قبيلته او إثنيته ويستمر في الحكم بممارسة الديقمراطية وهو يعتقد في نفس الوقت أن بقية الأعراق (هي دونه قيمة) وهذا ما اشرنا إليه مسبقاً ان هولاء المثقفين هما أكثر "قبلياً" والأخر تلعب على وتر التهميش "نمُوزج الحركة الشعبية".

إن التناقض الإجتماعي والديمقراطية المنشودة في دولة العالم الثالث والإنظمة الديكتاتورية، هي في أساسها إثنية النظام وتكرس دولة القبيلة وهذا ما انتجته نظام الحركة الشعبية لربع قرن كامل بلا منازع وهنا تبدا مشروع (اللا دولة) هي دولة الفرد او "القبيلة".
لا تزال الطريق شاق في تاسيس دولة المدنية في جنوب السودان في إعتقادي بنموزج الحركة الشعبية ، مما سبق من النزاع بعد ان فشلوا في تاسيس دولة التعددية واتجاء الكل نحو إثنية الدولة فبدلاً من صنع حراكاً فكريا سياسياً تطوريا تم تنفيذ مشروع الحراك الإثني.

الخلاصة :
هو أن الفئة المثقفة ، العسكرية والمدنية داخل الحركة الشعبية، من الجيل الرابع (الحركة الشعبية والأحزاب الأخرى) فشلت في إقناع الفئة التقليدية "الاميين" لفهم اهمية القومية وعملوا على الحفاظ عليهم بلا إدراك منهم وصنعت هولاء الفئة التقليدية أرضية خصبة لهم للوصول الى السلطة وعملت ايضا على توريث الجيل التالي نفس الأمراض ، كما فشل من سبقوهم في ذلك من أجل بناء دولة المواطنة، وهذا لعدة اسباب "الأمية، القبلية ، المليشيات الموالية" ونجد أن الفرضية هنا هو نظرتهم لمشاكل المركز عبر التاريخ منذ تاسيس هذه الحركات او ما قبله وانحصارها على (السلطة والثروة) ولم يذهبوا بعيدا الى مفهوم اوسع كما يزعمون للعامة الشعب "المهمشين" في دساتيرهم ومشاريعهم النضالية التي تتشابة مع دساتير العسكر الدكتاتورين "الحكم الفرد والقبيلة".

اخيراً تظل إشكالية غياب الرؤية والفكر ، أزمة حقيقية يعاني منها المثقف الجنوب سودان، جيل وراء جيل "ما بعد الحداثة" فالمطلوب هنا هو جمالية التغيير بمفهوم عام سياسي إجتماعي، وهذا يتطلب من الجيل الضياع واقصد بهم جيل اتباع قيادات الحركة الشعبية والاحزاب التقليدية، وهنا تكمن ضرورة تقييم تلك الأثار من سلبياتها وإيجابياتها من الناتج العام الى الجزئي كلياً من أزمة الإثنية الى الحرب الأهلية بهدف التحول من منظومة إثنية الى منظومة الحداثة "دولة المدنية".