إن الوحدة كلمة جميلة والعالم كله يسعي نحو الوحدة، وها هو كل الأمم تتكتل في كيانات اقتصادية موحدة من اجل أن تكون قوية ومؤثرة ولها دور في المجتمع الدولي ، هذا ما يريده كل الشعوب والأمم من اجل ازدهارها ونهضتها، ولقد دأب الناس في السودان علي استخدام كلمة الوحدة حتى سميت بها البنوك كبنك الوحدة سابقا في عهد نميري ومديرية الوحدة و هي الآن ولاية الوحدة.
هكذا نحن في السودان نحب كلمة الوحدة ، ولكن للآسف الشديد أن هذه الكلمة عند البعض، استخداماتها ما هي إلا من اجل الاستهلاك فقط من غير العلم بما يعنيه الكلمة من معني، ولا العمل من اجل تطبيق ما تعنيه الكلمة عمليا ، فان الوحدة لها ثمن غالي يجب دفعه حتى تتحقق تلك الوحدة المنشودة ، فان الشعب السوداني كان في يوم من الأيام ،فيه من يدعو إلي الاتحاد مع مصر بما أريد تسميتها اتحاد أو وحدة وادي النيل ، ولكن عندما جاء الوقت الذي فيها أعلن الاستقلال، تم إعلانه من داخل البرلمان ولم يمر الشعب ببوابة الاستفتاء من اجل الاتحاد مع مصر أو الاستقلال ، بل اتحد الشعب السوداني بمختلف أحزابها حتى تلك التي كانت تدعو للوحدة مع مصر فضلت استقلال السودان علي الوحدة مع مصر لماذا ؟ لان الوحدة كانت تحتاج إلي تضحية من مصر لتستحقها أن كانت تريدها عمليا وليس مجرد حديث يلهث من وراءها السياسيين ، هذه التضحية هي ما لم تفعلها مصر لذا فشل الاتحاد!! ولذا فالأطراف السودانية عندما أيقنت أن مصر تريد وحدة لتواصل استعمارها للبلد كبديل للانجليز، قرروا إعلان الاستقلال، وهكذا كانت الوحدة التي تريدها مصر مزيفة لذا رفضها الشعب السوداني الذي أراد الحرية الحقيقية والوحدة المبنية علي المساواة في كل شئ والعدالة بين جميع أبناء الوطن المرتغب في المستقبل. واليوم التاريخ يعيد نفسه بعد الحرب الأهلية المريرة والتي عايشه الشعب السوداني في الجنوب وامتدت أثاره إلي جنوب كردفان ومناطق النيل الأزرق وشرق السودان والآن مازال الحرب يدور في الغرب في دارفور الحبيبة كلها بسبب سوء الحكم في السودان وعدم وجود العدالة والمساواة بين أبناء هذا الوطن الواحد، ولقد انتهت تلك الحرب التي دارت في الجنوب بتوقيع اتفاقية السلام الشامل والتي فيها تم قبول مبدأ تقرير المصير للشعب الجنوبي ليقرر بنفسه ماذا يريد للمستقبل ، هل دولة سودانية موحدة آم يريد تكوين دولته الجديدة، ولا سيما انه كان في الماضي، قد تم تزوير إرادة شعب الجنوب عدة مرات بالخدعة التي تعرض له قياداته الأهلية كما حدث خلال المؤتمرات التي سبقت الاستقلال ،كما أن هناك العديد من اتفاقيات تم فيها نقض العهود من قبل بعض القادة في الشمال فلذا أعطي الحق لشعب الجنوب ليقرر مصيره لانه الذي عانى أكثر من غيره ويلات الحرب . واليوم الشعب الجنوبي في مفترق الطرق في أن يحدد ويقرر مصيره ، إلا أن نغمة الوحدة والانفصال بدءا يتعاليا هنا وهناك أي في كل من الشمال والجنوب علي التوالي فالحكومة في الشمال ترفع شماعة الوحدة وتعلن انه لا شئ غير الوحدة ينفع للسودان وان خيار الوحدة هو الخيار الوحيد الذي ينبغي التصويت له في الجنوب وإلا........!!، وكان المواطن الجنوبي لا يفقه شئ إلا ما يملاء له من قبل الشمال و الحكومة في الجنوب ترفع شماعة الانفصال بأنه الخيار الأفضل،وكان الحركة هي الوحيد التي تعرف مصلحة الجنوب أكثر من غيره ، وأضحى كل منهما يعمل علي تثبيت رؤيته التي يراء فيها أفضلية اطروحيته للشعب السودانية رغم خطورة كل الخيارين علي المواطن البسيط ، فالآن لم يعود للحكومتين دورا ليواصلا القيام به ، فلقد ضيعا فرصتهما خلال الخمسة سنوات الماضية وعليهما فتح الباب علي مصراعيه للشعب الجنوبي أن يقول كلمته ، وعليهما أن يكفا عن تضليل المواطن بما يظناه الأفضل ، لان ذلك كان الأجدر بهما أن يتماه ويكملاه في المفاوضات السابقة ، بل واجبهما الآن هو توفير مناخ ديمقراطي يترك فيه الفرصة للمواطن الجنوبي أن يختار ما يريد في جو معافى ،وما أريد قوله هنا هو إن كل الخيارين لهما عواقبهما علي المواطن سو كانت ذلك من الناحية الايجابية أو السلبية وهنا لم يبقى علي المواطن الجنوبي البسيط إلا إجراء عمليات حسابية طويلة من طرح وجمع وضرب وقسمة إلي أخره من العمليات الرياضية المعقدة و ذلك لصعوبة الموقف التي وضعه فيه اتفاقية السلام الشامل بما فيه من مطبات يصعب التعامل معها بالمنطق المجرد، فالوحدة هي الأساس التي وجد فيها السودان لكنها أيضا هي التي دارت فيها تلك الحرب اللعينة ، أن المنطق العادي والبسيط يجعل المواطن الجنوبي الذي زار أو عاش في الشمال يفضل الوحدة علي الانفصال إذا وضع فكره علي المكتسبات الآنية والتي وجدها من خلال هجرته و حياته في الشمال فقط إذا نسى أو حاول أن يتناسى المرارات التي ظل يتعرض له من حين لأخر في بلده ووطنه السودان، أن عناصر الوحدة الظاهرية موجودة يمكن للمواطن الجنوبي أن يسمعه من حين لأخر في الإذاعة والتلفزيون القوميين كل يوم ولكنه قط لن يحسه ويلمسه في الواقع المعاش(تسمع قل يا مونقو لا عاش من يفصلنا) وهناك العديد من الذين يفصلوننا ، فإننا في المجتمع السوداني مقسمون ومنفصلون إلي شمالي وجنوبي بتصنيف اللون والدين والعرق رغم انف الدستور الانتقالي ، فالمسلم إنسان لا يمكن مقارنته مع غيره الغير المسلم ، لذا فأنهما لا يلتقيان حتى في الموت فكل منهما إذا مات يدفن في مقابر خاص ، و لكن بدون خجل يأتي من يقول تعال نتوحد فالوحدة أفضل ، أين المنطق هنا؟، إذا جاء دور الزواج فغير المسلم مجبر علي تغير دينه(التاسلم من اجل الزواج أو الإسلام من اجل المرأة ) وإلا فانه لا يستحق الزواج بمسلمة لأنه كافر، أين الوحدة ؟!!، ولو أن د. الترابي اصدر فتوته الأخيرة بجواز زواج المسلمة من كتابي( المسيحي أو اليهودي) هذا، وهو مجرد اجتهاد منه لا يقبله الواقع ، فهذا المنع أصبح قاعدة مُرسخة في وجدان المجتمع بحكم الدين!! فالدين يعلو علي الوطن عندنا وإذا كان الأمر يمس الدين فالي الجحيم بالوطن!! رغم أن الدين لله والوطن للجميع، ولكن في السودان الدين أولي ، فأين الوحدة الجاذبة؟!! ، فالدين يا سادة لا يوحد، لأنه حتى أصحاب الملة الواحدة، فهم يختلفون في تفسير الدين وهو سبب تعدد المذاهب والطرق الدينية في العقيدة الواحدة،فمع الدين ، لن يتوحد الشعب السوداني ودارفور خير مثال! أن الوحدة لن تكون جاذبة لان الجنوبي في الشمال يسكن ويشرب ويعالج و يدرس ويجد سبل الراحة في الشمال، نعم الواقع يقول أن الشمال فعلا متقدم علي الجنوب بكثير، ولكنه رغما عن ذلك فلن يجد الجنوبي نفسه يوما يحلم بان يكون رئيسا لدولة السودان، أو وزيرا للدفاع، أو وزيرا للمالية ،إما لأنه من الجنوب الغير المسلم أو لأنه ليس بعربي أو مستعرب أو لأنه جنوبي فهو متهم بأنه يحمل الفكر الاستعماري الغربي ويحقد للإسلام والمسلمين ،وهو لا يمكن أن يأتي بشي جديد لدولة الإسلام غير الكفر والإلحاد حسب اعتقاد أهل المنبر ، فهو لا يستحق حكم السودان من منظورهم!!،هذا هو لسان حال البعض في السودان ولديهم مؤيدين كثر، فهولاء الذين يقولون ذلك ليسوا مجرد عامة الشعب بل أحيانا يكونون من الصفوة الذين تقلدوا مناصب حساسة في مفاصل الدولة ومن لا يصدق هذا فليذهب إلي الانتباه ليقرءا أفكارهم المسمومة وحقدهم الدفين لكل ما هو جنوبي أو مرتبط بالجنوب ، فكيف يصوت الجنوبي لتلك الوحدة التي يراد منه أن يكون فيه مواطن بنصف الاستحقاق، له نصف اعتبار ونصف مواطنة ، ففي تلك الوطن لن ولم يسمح له ببناء كنيسة أو دور عبادة لمعتقده أو أن يمارس ثقافته التي تربى عليها ، لأنها تعتبر ثقافة متخلفة ويتعارض مع الدين في الشمال الذي يعتبر أساس الدولة ، فثقافته ، ثقافة غير مرحب بها ، و إذا أراد أن يدعو له أو أن يدعو لعقيدته علنا في مرافق الدولة كغيره من المعتقدات فلن يجد من يعطيه ذلك الفرصة!! فكيف يصوت للوحدة؟!، هل يستحق المواطنة المنقوصة التضحية بحرية منشودة ، ولو بدء مجرد شعاع مضي في نفق مظلم ، أليسا التشبث تلك الشعاع ، أفضل لعله يكبر يوما ما؟! هل يفضل العصفور القفص الذهبي علي الطيران بحرية في الفضاء؟!!،هل يقبل الثعلب الحياة في المدينة المبنية علي قوانين يسمح بضربه بالعصا مقابل أن يأكل ويشرب أم سيفضل تقبل حياة الغابة الحرة رغم قسوتها؟!!. أن ثمن الحرية مهما كان غاليا و مكلفا ، فانه قد يكون الخيار الاصوب ، و يمكن للمرء أن يختار الأصعب لأنه قد يكون الأفضل حتى إذا لم يكون نتائجه آنية ،فقد يكون أفضل لمن يأتون من بعده ولو بدء فوائده غير منظور لشخصه كناخب ، فانه الفرصة الوحيدة ولن يجده مرة أخرى لان الوحدة ممكنة في ما بعد ولكن الانفصال غير متاح إذا ضاع الآن. فالاختيار في الاستفتاء ليس من اجل المصلحة الشخصية ولكنه من اجل من سيأتون لاحقا، وبما أن الوحدة سبق تجربته وكانت فاشلة ، فعلي من يدعون لها الآن التريث وإعطاء الجنوب فرصة ليقول كلمته ، فانا كجنوبي أدعو للوحدة عن قناعة ولكن تلك الوحدة التي أريدها هو الوحدة التي فيها أكون حرا، مساويا، ومعادلا لكل من هو مثلي لا اقل ولا أزيد ، وحدة فيها أتمتع بكافة الحقوق المدنية المتعارف عليها دوليا!! فهل يقبل البعض من أهل الشمال تلك الوحدة ؟
إن كان الإجابة نعم فالمستقبل سيجلب الوحدة الحقيقة ولكن الآن ، فان الواقع يقول شيئا آخرا مختلفا،فانا كشخص لديّ إيمان حقيقي أن الوحدة هي الأصلح لهذا الشعب ولكن هناك البعض الذين لديهم مفهوم النقاء والتعالي العرقي ، وتفضيل دين معين علي ديانات أخرى تلك النظرة التي أعمى بصيرتهم في الشمال ، مما جعلهم لا ينظرون إلا لما يهم مصلحتهم وما الآخر إلا مجرد تابع يجب أن يخضع لنزواتهم وإلا فيستأصل ، لأنه سرطان مميت حسب تعبيرهم ، وها هو السودان أصبح كله مصاب بالسرطان في الشرق والغرب والوسط و حتى أقصى الشمال ،فما يسموه بالصدع تحول إلي مرض عضال!!. (والتسوي بيدك يقلب أجاويدك) ولهذا فإننا نريد فراق حبان مع الشمال لا عداوة تولد حرب جديدة ، فهناك الكثير التي يمكن أن نفعله من اجل استعادة الوحدة في المستقبل القادم،وذلك بأسس جديدة مبنية علي الاحترام، لكرامة الإنسان كانسان بغض النظر عن أي شئ أخر وذلك عندما يكون هناك جيل مؤمن بتلك المبادئ في الشمال والجنوب . وبالرغم أنني سأفقد أصدقاء كثيرين من الشمال،إلا أن قطار الجنوب يسير نحو محطة الانفصال، وأنني سأقبل بذلك لان الحرية مع قسوة الحياة خير من راحة مزيفة تحت عبودية.
هذا مع تحياتي.
Newer articles:
Older news items
- التغيير الديمقراطي ...و صمود أمام الإدعاءات الكاذبة - 15/11/2010 00:00
- أعلن اتحاد الجالية Naath في ادمونتون - 15/11/2010 00:00
- public accountability counepمفهوم المساءلة او المحاسبة إلادارة العامة - 15/11/2010 00:00
- بعض الجوانب المهمة للاستعداد للاستفتاء - 15/11/2010 00:00
- الواعي السياسي واهميتة في استدامة الاستقرار - 13/11/2010 00:00
Latest news items (all categories):
- The Collo Kingdom Remains Underdeveloped: Five Hundred Years Later! - 03/02/2025 12:57
- Attack on South Sudan cattle camps kills 35 - 03/02/2025 12:46
- في صفقة مثيرة.. الإمارات تشتري نفط الجنوب في باطن الأرض لمدة 20 عامًا - 03/02/2025 12:42
- South Sudan: Can oil production save the economy? - 30/01/2025 19:27
- 20 oil workers and crew die in South Sudan plane crash - 30/01/2025 19:20
Random articles (all categories):
- Sixty aid workers forced to flee S.Sudan fighting: UN - 15/04/2017 07:28
- Sudan Reopened Border Post Closed Since 2011 - 14/02/2018 06:32
- Struggling people in South Sudan welcome refugees from Sudan - 23/05/2023 05:23
- South Sudan model shows the world acceptance of yourself is the first rule of being beautiful - 24/02/2020 07:27
- Jieng Council of Elders - UNMISS needs to adhere to its mandates - 27/05/2016 11:54
Popular articles:
- مفهوم التنمية . - 12/04/2011 01:00 - Read 87976 times
- مفهوم النزاع - 06/04/2011 01:00 - Read 56069 times
- مفهوم التنمية الصحية - 31/01/2012 21:32 - Read 43715 times
- Jobs Analysis Concept مفهوم توصيف او تحليل الوظائف - 01/10/2011 01:00 - Read 43584 times
- مفهوم الحكم الراشد - 23/10/2010 03:30 - Read 39097 times