logo

تحدثنا فى مقال سابق بعنوان " مفهوم الحكم الراشد" فى هذا الموقع " فشودة الإلكترونى " واوضحنا فيه سماته واطرفه وعلاقته بالتنمية وابعاده المتمثلة فى :( المشاركة ، العدالة ‘ المساواة ‘ حكم القانون ‘ المحاسبة والشفافية).

ومن ضمن هذه الابعاد الخاصة بالحكم الراشد هى "الشفافية" وبالتالى سوف نتناول "مفهوم الشفافية" بشىء من التفصيل وفقاً للمعنى التى اوضحنا فى السابق بان الشفافية " يعنى توفير المعلومات الدقيقة فى وقتها وإتاحة الفرص للجميع للاطلاع على المعلومات وان نشر هذه المعلومات يوسع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة ويحاصر الفساد".

وبما ان شعب جنوب السودان سيقرر تقرير مصيره فى 9 يناير 2011 لتاسيس دولة جديد كنتيجة لفشل نظم الحكم والإدارة فى البلاد التى ادارت الوطن منذ الإستقلال 1956 ولكن لكى لا يفشل شعب جنوب السودان مرة اخرى بدولته القادمة لذلك يجب على كل فئات المجتمع الجنوبى ( الإجتماعية والسياسية والادارية والحزبية والقبلية .....الخ) البدء بتثقيف موطنيها وبترسيخ مفهوم الحكم الراشد وابعادها والمتمثلة فى الشفافية كسلوك للحكم والإدارة فى اى مستوى من المستويات الاجتماعية والسياسية والادارية والحزبية .....الخ خاصة ان شعب جنوب قد ناضل من اجل هذه المبادى للحكم الراشد وابعدها واستشهدة وقتل ومات عدد كبير من قادتها وموطنيها  فى سبيل هذه المبادى النبيلة.

وتكريماً  لهولاء الذين بزلوا اروحهم ودماءهم من اجل "الكرامة والعدالة والمساواة وحكم القانون والمشاركة والمحاسبة والشفافية " يجب ان يعمل الجميع جميعا لبدية صحيحية لتاسيس نظام لحكم والإدارة قابل لتطور وفقاً للمفاهيم الحديثة للمجتماعات الحديثة.

إن الفساد الادارى يمثل واحداً من التهديدات الرئيسية ضد ( الديمقراطية ‘ التنمية ‘ الانصاف والعدالة) وهو يعيق الخدمات العامة ويقلل الاستثمار ويميز بين الفقراء ويدمر ثقة الجماهير فى الحكومات.

فهو مشكلة اخلاقية ومشكلة سياسات – بمعنى انه يمكن معالجته بوضع وتنفيذ مبادى وقواعد تشجع الناس بفعل الاشياء الصحيحة ‘ والشفافية تمثل احد متطلبات تفصيل اليات مساءلة الإدارة العامة.

الشفافية هى اساس اسلوب الحكم المناسب للتاكيد على حسن إدارة الإقتصاد وتحقيق الامال فى التغلب على المشكلات وتستند قبل كل شىء على علانية القرار.

فالقرار السرى لا يناقش والاعمال الخفية لا يمكن المساءلة عنها  وحجب المعلومات عن المهتمين يعطل المشاركة وبالتالى يصعب الوصول الى حلول مستدامة .

ويقصد بالشفافية فى العمل كشف الاهتمامات والاهداف والدوافع والموارد والاعلان عن المبادى وهى تضمن حق المنظمات الحكومية وغير الحكومية والموطنين فى الاصطلاح على كافة الحقائق المتعلقة بالعمل والانشطة والبرامج والتمويل والتعاقدات .

كما تعنى الشفافية التاكيد على مصداقية المنظمة او الإدارة امام الراى العام والحكومة والقطاع الخاص والمنظمات الدولية ويتحقق ذلك من خلال ( الصدق والاعلان عن النشاط والاهداف ومصادر التمويل وفتح ابواب المنظمة او الادارة او المؤسسة امام الجميع).

ومن ملامح الشفافية فى اجهذة الادارة العامة هو مدى توفر الحرية للموطن فى الوصول الى مصادر المعلومات ( وهنا تثار مسائل هامة اهمها حساسية المعلومات ‘ توقيت نشرها  وعدم نشر تساؤلات حول من الذى يحدد هذه الحساسية؟  ومن صاحب السلطة فى تحديد التوقيت المناسب  واخير تصنيف المعلومات بحسب صلتها بالامن العام‘ غير ان حق الشعوب فى المعرفة لا يقتصر على تلقى المعلومات من مصادرها بل يشمل الحق فى تبادل والمشاركة الإيجابية فى تكوين الاراء وصنع القرارت خلال جميع مراحل اتخاذها .

ولا يمكن تحقيق هذه المشاركة والتفاعل فى ظل وجود إعلام تابع مباشر للحكومة القائمة وتعتبر ملزمة بما يصدر اليها من تعليمات تحد من إيجابيتها فى التعامل مع القرارت الحكومية مما  يؤدى الى عدم وضوح او تفسير للقضايا التى تهم مصالح الجماهير بسبب حجب المعلومات وتفاصيلها  وعدم إتاحة الفرصة للتفسير والتحليل ومن ثم عدم قناعة الجماهير بالقرارت التى تتخذها القيادات الحكومية واجهذة الادارة العامة.

إن افضل وسيلة لتجنب ذلك هو قيام الحكومات والقيادات الادارية بالإعلان عن قراراتها وخططها وشرحها بطريقة مبسطة للجماهير والإعلان عن الاسباب والاهداف من الخطط  وفى ذلك تجنب المصادمات والقلاقل وتشوية صورة الادارة الوطنية لدى منظمات المجتمع الدولى التى تتعامل معها الدولة.

تعتبر الشفافية من الابعاد الحاسمة للمساءلة اللبروقراطوية او التقليدية وقد اصبح من غير الممكن للموظفين تجنب الإلمام باهم التطبيق الحديث للعمل مثل: دراسات الجدوى وتحليل التكلفة او المنفعة  وهم مطالبون فى ظروف الانفتاح الاقتصادى والتعددية السياسية ان يواجهوا الرئيس والوزير والقيادات السياسية والبرلمان والصحافة والراى العام ليشرحوا السياسات والإجراءات.

وقد يقاوم البعض الشفافية التى تطرح الاعمال للعيون والآلسن وبالتالى اصبح الموظف العام مطالب بتنمية قدراته على شرح التعديلات والتغيرات فى السياسات والخدمات ليس فقط لرؤسائه وللسياسيين بل للمجتمع كله وخاصة جماعات المتعلمين وصانعى الراى العام والفئات الاجتماعية المتضررة  ولذلك لا بد من اختيار موفق لعنصر التوقيت فى إعلان او تنفيذ خطوات معينة من برامج  الإصلاح ولابد من اكتساب بعض المهارات فى عرض وتغليف السياسات والاجراءات غير المستحبة ولابد من تنمية قدرات الموظف العام على شرح والإقناع .

ويمكن تعريف الشفافية " بانها تعنى ان تكون الحكومة والاجهذة الإدارية العامة فى صندوق من زجاج بحيث يرى الجميع بوضوح ما تقوم به من اعمال وما تباشره من مهام وتديره فى برامج وتربط  به من علاقات والكيفية التى تمارس فيها كل ذلك".

الشفافية والادارة العامة:

ولكى يكون الإدارة شفافاً فى تعاملها بمفهوم الشفافية يجب عليها مراعاة اربع نقاط التالية وهى المهمة لها.

1 . إن وجود قنوات شرعية للحصول على المعلومات يعتبر اداة لتدعيم وتعزيز المشاركة السياسية ومدخل للمساءلة الإدارية فى كل المجتماعات وغالباً تكون المعلومات متعلقة بفروع النشاط المخلتلفة والمرتبطة بكل مواطن على حده.

2 . القوانين التى تتيح للمواطن حق الحصول على المعلومات تلعب دوراً كبيراً فى التقليل من الفساد والانحراف على مستوى الوحدات الحكومية المختلفة وهذا الامر يثير تساؤلات منها:-

(أ‌) اى المنظمات والمؤسسات تكون خاضعة لهذه القوانين؟

(ب‌) متى يحق لهذه المؤسسات حجب بعض المعلومات ؟

(ج ) ما خطوات التعامل مع تكاليف تطبيق هذه القوانين؟

3 . من المنطقيى والضرورى ان تحافظ اى مؤسسة على قدر من السرية فيما يخص بنشاطها وعمالها الا انه واجب عليها الإستجابة لمطالب الشفافية والإفصاح كلما  كان ذلك ضرورى ولذلك هناك ثلاثة اليات للافصاح والشفافية :

(أ‌) إعطاء الحق للافراد فى الاحتكام الى مستوى إدارى اعلى بنفس الجهة المقدم  فيها  طلب الإفصاح ( ضرورة وجود مستوى معينة فى ادارة) وفى حالة الفشل ترفع دعوى امام المحكمة الإدارية.

(ب‌) إعطاء الحق للافراد فى الإحتكام الى مندوب او مفوض له الحق فى اصدار اوامر للمؤسسة بالإفصاح عن معلومات معينة وقرارات المفوض خاضعة للمراجعة ( ضرورة تعين مفوض مستقل ) .

(ج) إعطاء الحق للافراد فى الإحتكام الى مفوض عام مستقل يختص بالنظر فى المسائل وله حق إصدار توصيات وإذا لم   تؤخذ التوصيات يرفع للمحكمة.

هذه الاليات تتوقف على نظام سلطة قضائية مستقلة يمكنها إجبار الجميع بما فيهم الحكومة على الخضوع لآحكامها والآمر فى النهاية يتوقف على وجود جهاز محترف للخدمة المدنية اوالعامة مستعد ومهيا للالتزام بمطالب الإفصاح ولن تكون قوانين الإفصاح مجدية إذا لم يكن المواطنين والمنظمات غير الحكومية لها القدرة على الوصول للمعلومات.

4 . الشفافية هى الخطوة الاولى فى محاربة الفساد لكنها تتطلب وسائل إتصال ومجتمع مدنى قادر على الحصول على المعلومات وإستخدامها فى مساءلة حكومته.

وبذلك توصى المؤتمرات الدولية للممارسة الشفافية دائماً للحكومات كمطلوبات بالاتى:

(أ‌) مطالبة الحكومات بالكشف الوثائق عن الميزانيات وإجراءات الإنفاق حتى يمكن للمواطنين ووسائل الإعلام من الحصول على المعلومات التى يحتاجون إليها لفهم وتقيم ما تفعله الإدارة العامة.

(ب‌) تدريب المنظمات غير الحكومية على إستخدام التكنولوجية الحديثة بما فيها الشبكة العالمية (www ( ومتابعة عمليات الخصخصة للمؤسسات العامة والتعاقدات العامة.

(ج ) ضرورة  الإعلان عن التعاقدات العامة وتواريخ تسليم السلع وجدوال او ترتيبات الدفع.

(د) تقديم كفاءة وجودة الخدمات العامة فى قطاعات معينة مثل ( الصحة ‘ التعليم ) بالإضافة الى الجهود المبذولة لمكافحة الفساد.

(هه) توفير قواعد للبيانات عن مسوغات تعين الموظفين العاملين لمنع التميز والواسطة والمحسوبية .

(و) عقد جلسات الإستماع العام توفر الية وفرصة امام الموطنين للمساهمة بمدخلات على اولويات المشروعات العامة والمشاركة فى إتخاذ القرار.

(ز) التاكد على اهمية الصحافة الحرة فى تعميق الشفافية.

ولكى يتم مساعدة الحكومة فى اداءها والمجتمع ككل لابد من المهتمين بمفهوم الحكم الراشد فى جنوب السودان مستقبلاً العمل بصورة جادة للقيام بمنظمات الشفافية للمحاربة الفساد وذلك انطلاقاً من الابعاد التالية:

1 . انشاء ممظمات للشفافية على مستوى الولايات بالجنوب كبعد إنسانى لان الفسادة يقوض من جهود التنمية ويذيد من درجة إنتهاك حقوق الانسان.

2 . وكبعد ديمقراطى لان الفساد يعتبر من اكبر المعوقات التى يمكن ان تواجهة عملية التحول الديمقراطى فى العديد من الدول.

3 . وكبعد اخلاقى  يضعف الفساد من درجة نواهة المجتمع ككل.

4 . وكبعد عملى يتدخل الفساد فى الية السوق ويفسدها ويضر بالقطاع الخاص والافراد من التمتع بفوائد اعمالهم.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.