logo

الأمين العام للحركة الشعبية الأستاذ باقان أمومبات مستقبل السودان السياسي على المحك مع اقتراب موعد استفتاء تقرير مصير الجنوب في يناير من العام 2011، وهذا الحدث من أهم بنود اتفاق السلام الشامل الموقع في يناير من العام 2005. وان كانت كل الاحتمالات ترجح إنفصال الجنوب عن الشمال ، فان المراقبين يرون ان التحديات الحقيقية هي التي ستعقب عملية الاستفتاء ، التي ستعيد تشكيل الخارطة السياسية في السودان.

في هذا السياق كثرت الحديث والأقاويل والتصريحات من قبل قيادات الحركة الشعبية، حيث يدعم البعض منها خيار الإنفصال بالقوة والبعض الآخر خيار الوحدة، وهذين الخطين تتصارحان حول الخط العام لمؤسسية الحركة الشعبية خلال الفترة الإنتقالية التي شارفت على نهايتها بحلول يناير العام المقبل. فلفت إنتباهي حول أراء بعض من قيادات الحركة الشعبية وأعضائها عن تصريحات التي أدلى بها الدكتور/لوال دينق أشويك وزير النفط الإتحادي والقيادي بالحركة الشعبية عند زيارته الماضية الى الولايات المتحدة الأمريكية والتي أكد فيها دعمه القوي لوحدة السودان بأنها رؤية التي من أجلها وقعت الحركة الشعبية إتفاقية السلام الشامل، حيث قال الوزير عند مخاطبته تجمع الجنوبيين في الولايات المتحدة الأمريكية: إن إنفصال الجنوب عن الشمال يعتبر خيانة عظمى للدكتور جون قرنق مؤسس الحركة، وأضافة إذا كنا نحكم أنفسنا في الجنوب ونشارك في الحكم في الشمال فماذا نريد أكثر من ذلك؟ وعند سؤاله عن تصريحات أمين العام للحركة الداعمة للوحدة فأجابة أن ما يدلي بها عن الإنفصال من قبل سيد أمين العام للحركة يعتبر رايه الشخصي وليس راي الحزب، ومعروف أن السيد امين العام والرئيس سلفاكير وبعض القيادات الأخري في الحركة الشعبية من الداعمين للإنفصال منذ توقيع على إتفاقية السلام عام 2005م.

كما هو معروف لدي شعب الجنوبي إن خيار الإنفصال الأقرب حتى هذه اللحظة من خيار الوحدة نسبة لظروف السياسية التي تفرضها الحكومة الإسلامية على السودان منذ الإستقلال والتي لن يحدث فيها أي تغيير يذكر في القضايا الأساسية، و هي نفس الواقع الذي إتخذه الإنفصالين داخل الحركة، طالما إن الأسس التي من أجلها جاءت رؤية سودان الجديد لم تاتي فلماذا الوحدة، فأفضل الإنفصال من الوحدة والجنوبين مواطنين درجة الثانية. فدعوني أستعرض هنا بعض من مضمون مانفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان، ونص بيان الختامي الذي صدر من إجتماع الأخير لمكتب السياسي للحركة في جوبا كمحاولة لتفرق بين راي القيادين في الحزب وخط السياسي العام للحركة الشعبية (المكتب السياسي).

ماذا يقول المانفستو ؟

صدرت النسخة الأولى من مانيفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان قي يوليو 1983 وذلك في أعقاب تكوين الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان لقيادة الكفاح الثوري المسلح. وقد اقتضت الضرورة حينذاك أن يبدأ هذا النضال من الجنوب ليعم كل السودان من أجل بناء “سودان ديمقراطي وعلماني موحد”. تدفقت مياه كثير تحت الجسر منذ ذلك الحين في طريق النضال نحو تحقيق هذا الهدف الغالي. وهكذا، فقد واجهت الحركة العديد من التحديات الجسيمة نتيجة للتغيرات التي طرأت على الأوضاع السياسية داخليا وإقليميا ودوليا، إضافة للتناقضات الداخلية التي صاحبت عملية الكفاح المسلح والنضال السياسي منذ تكوين الحركة في 1983. واستجابة لهذه التحولات في الواقع السياسي الداخلي والخارجي، شكلت رؤية السودان الجديد الأساس لعمل الحركة السياسي والعسكري ولإعادة تفصيل المبادئ والأهداف ورسم طريق تطور الحركة الشعبية والجيش الشعبي، على وجه الخصوص، والثورة السودانية بشكل عام. كانت رؤية الحركة الشعبية وظلت على الدوام هي رؤية السودان الجديد، كمفهوم يرتكز على تحليل عميق وموضوعي للجذور التاريخية للأزمة السودانية. ومن ناحية أخرى، إن التطلع للمساهمة في تحقيق نظام دولي جديد، جعل رؤية السودان الجديد في مرمى التأثر بكل نظريات العالم الكبرى واتجاهات الفكر وعلم الثورات، وعليه فإن مفهوم السودان الجديد يأخذ بقليل من قبس الماركسية ومختلف مدارس الاشتراكية، كما يدين بصورة كبيرة للتراث الفكري الإنساني، فضلاً عن أنه يصطحب بشكل كبير تجارب مشابهة في تكوين الأمم وبناء الدول أمريكا الشمالية واللاتينية. فرؤية السودان الجديد ليست، بأي حال من الأحوال، بعقيدة أو أيديولوجية للحركة الشعبية. فبينما أرشدت الرؤية ووجهت النضال من أجل التحرير إلا أن الأحداث والتطورات المحيطة قادت بدورها إلى جعلها أكثر ثراء ودقة. فرؤية السودان الجديد وفرت الوقود الفكري للحركة الشعبية والجيش الشعبي لقيادة النضال ضد كل أشكال الحكومات في الخرطوم منذ 1983، كما استرشدت الحركة بالرؤية في إقامة تحالفاتها مع باقي القوى السياسية السودانية وفى تأسيس علاقاتها الخارجية. وعليه، فإن البرنامج السياسي للحركة وأهدافها ورسالتها تقوم على هذه الرؤية، والتي وفرت أيضا الأدوات الصحيحة للتحليل مما ممكن الحركة من النجاح في تشخيص الوضع السياسي الداخلي بتعقيداته الإقليمية والدولية. والأكثر أهمية، تظل رؤية السودان الجديد هي مصدر التأييد الشعبي المتزايد الذي كسبته الحركة في كل أنحاء السودان، وفى الشمال على وجه الخصوص. فقطاعات واسعة من السودانيين ترى في الحركة الشعبية القوة السياسية المنظمة الوحيدة التي تملك رؤية واضحة. وللمفارقة، يبدو أن استجابة الناس مع الرؤية ومناصرتهم للحركة الشعبية قد تكاثفت بصورة ملحوظة بعد الرحيل المفجع والمفاجئ لزعيم الحركة السابق د. جون قرنق دى مابيور، الرجل الذي اعترف به الجميع كرمز وطني تاريخي عظيم. إذن، رؤية السودان الجديد هي التي تميز الحركة عن بقية القوى السياسية السودانية، فهي “الماركة المسجلة” للحركة الشعبية لتحريرالسودان!

إن هدف بناء” دولة تسع الجميع” لا يعكس موقفاً تكتيكياً من جانب الحركة وإنما هو خيار استراتيجي لحل ” مشكلة السودان” الأساسية وليس ” مشكلة جنوب السودان“. ويؤكد عقلانية وصحة هذه الرؤية انفجار الحرب في شرق البلاد وتصاعد الحرب والقتال في دارفور، غرب السودان، وإرهاصات العنف المسلح في أقاصي الشمال .وكما يشهد السودان القديم تغييراً أساسياً في تحوله نحو السودان الجديد، فإن الحركة الشعبية نفسها لابد أن تتطور وتخضع لتحولات أساسية هي الأخرى.

ماذا صدر عن بيان الختامي لإجتماع الآخير لمكتب السياسي للحركة الشعبية في هذا الخصوص؟

- أمن مكتب السياسي على ضرورة قيام الإستفتاء على حق تقرير المصير في موعده المحدد لن يكون هناك أى تراجع عن الموعد المحدد 9 يناير2011م.

- على مفوضية إستفتاء جنوب السودان، وكل مستوى من مستويات الحكم فى البلاد، ضمان الحرية الكاملة للداعين لأى من الخيارين اللذين تضمنتهما الإتفاقية وقانون الإستفتاء للتعبير عن أرائهم (الوحدة أو الإتفصال) فى كل المنابر، بما في ذلك أجهزة الإعلام الرسمى، فى حرية ونزاهة ودون ترهيب أو ترغيب، وأى محاولة، من أية جهة كانت، لمنع المواطنين السودانيين من الدعوة للخيار الذى يختارون لن تفضى إلى إستفتاء حر ونزيه وشفاف.

- وفيما يتعلق بالمفوضية أتخذ المكتب السياسى، بعد الإطلاع على المشاكل التى طرأت على أدائها، قرارات ستنقل إلى من يعنيهم الأمر بهدف حسم القضايا المختلف عليها والتى ظلت تعيق أداء المفوضية، وتمكينها من التسريع بالعمل بأسلوب سلس وتعاونى حتى تتمكن من إكمال المهمة التى أنشئت من أجلها ألا وهى إقامة الإستفتاء فى الوقت الذى حددته الإتفاقية ونص عليه الدستور.

- ترتيبات ما بعد الإستفتاء: كما سلفت الإشارة يولى المكتب السياسى أهمية قصوى لحسم كل القضايا التى ستترتب على الإستفتاء. وفى هذا الشأن يبدى المكتب السياسى أنه فى الوقت الذى ظلت فيه الحركة الشعبية تسعى فى إجتماعات الخرطوم والقاهرة لمناقشة جميع تداعيات الإستفتاء، أياً كانت نتيجته وحدة أو إنفصالاً، ظل المؤتمر الوطنى يركز على مناقشة المستحقات التى تترتب على خيار إنفصال الجنوب دون دفع مستحقاته، تفادياً لضرورة إجراء تغيير جذرى لبنية الدولة السودانية لتحقيق الوحدة الطوعية على أسس جديدة وعادلة. وينبه المكتب السياسى إلى أنه فى حالة إختيار شعب جنوب السودان للوحدة ستترتب على ذلك القرار نتائج هامة. ففى البدء ينبغى التفكير فى دستور جديد للسودان، لأن مفعول الدستور الإنتقالى القائم سينتهى بنهاية الفترة الإنتقالية فى 9 يوليو 2011. ثانياً أن الزعم بأن الوحدة ستقوم على المؤسسات والنظم والمبادئ التى أرساها نظام الإنقاذ زعمٌ واهم ولا يمثل الحقيقة لأن النظام الذى أرسته الإتفاقية والقيم التى أعلتها لا وجود لها على أرض الواقع خاصة فيما يتعلق بإعادة بناء الدولة، أو فيما يتعلق بإحترام وثيقة الحقوق حقوق التى وُطدت فى الدستور، أو فيما يتعلق بمهنية الخدمة العامة وأجهزة الأمن وإنفاذ القانون والنأى بها عن الإنتماءات الحزبية وتغيير سياسات المركز فى الخرطوم. ومن الجانب الآخر يؤكد المكتب السياسى أنه شديد العزم، فى حالة إختيار شعب جنوب السودان للإنفصال، على ضمان قيام دولتين صديقتين تجمع بينهما روابط تاريخية، وإقتصادية وثقافية، وإجتماعية لمصلحة الشعبين ويضمنان لمواطنيهما فى الجانبين كافة الحقوق التى يقضى بها القانون الطبيعى والمصالح المشتركة وتجارب الأمم. وبهذا سنجعل من الأعباء المترتبة على الإنفصال فرصاً لخلق نموذج فى حسن الجوار.

الواضح في البيان هو أن الحركة الشعبية ستحترم خيار أهل الجنوب عن نتيجة الإستفتاء وذلك يعني أن الخيار الوحدة والإنفصال للجنوبيين فقط دون ألوانهم السياسية ومع ذلك تركت حرية العمل من أجل الوحدة أو الإنفصال للأحزاب الذي يدعى عن الإنفصال فليبشر والذي يدعى عن الوحدة فليبشر أيضا.

إذاً هنا السؤال من هو الذي يمثل راي الحركة الشعبية في قضية الإستفتاء هل الذي ينادي عن الإنفصال ويدعمه، أم الذي ينادي عن الوحدة ويدعمها؟؟ وهل صُدر بيان من مكتب السياسي للحركة عن خروج الحزب من المانفستو الى خط دعم الإنفصال؟؟

فاسكولا عبدالله اجانق نكير

6/سبتمبر/2010م