logo

Salva Kiir and Omarقبل فترة وجيزة كان لسان حال الشريكان المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية يؤكد إن إستفتاء جنوب السودان سيجري في ميعاده المضروب بحسب إتفاقية السلام الشامل و هو يوم التاسع من يناير عام 2011. و كانت كل التصريحات التي صدرت من قيادات الحزبين في المحافل المختلفة تذهب الي تاكيد هذه النقطة ، خاصة عندما كثرالحديث عن تأخر تكوين مفوضية الاستفتاء و ما فسرته الحركة الشعبية لتحرير السودان إنه تلكؤ متعمد من شريكها في تسهيل قيام المفوضية و تجهيز مقارها للبدء في الأضطلاع باولي مهامها ، الأ وهو التسجيل وإعداد السجل.

و فجاة خلال الاسبوعين الماضين إنقلب كل شئ الي نقيض و عادت التصريحات النارية المتضادة الي واجهة أجهزة الاعلام بما يذكرنا بفترة التصعيد الخطيرة بين الشريكين التي سبقت إجازة قانون الاستفتاء، و هي الفترة التي توجت بمسيرة يوم الاثنين 14 ديسمبر 2009 الشهيرة التي إنتهت بإعتقال الامين للحركة الشعبية فاقان أموم و نائبه لشئون قطاع الشمال ياسر عرمان الي جانب قادة اخرون من الاحزاب السياسية المعارضة.

ويحتدم الخلاف الان بين الطرفين حول نقطتين جوهريتين ، الاولي هوية الامين العام لمفوضية إستفتاء الجنوب ، إذ يريده المؤتمر الوطني شمالياً ، أما الحركة الشعبية فتصر علي إيلولة المنصب الي جنوبي . ولكل طرف بالطبع منطقه ، و هو منطق يحركه الهواجس النابعة من الثقة المفقودة أساساً بين الطرفين. فالحركة الشعبية تري إن وجود شمالياً يدين بالولاء للمؤتمر الوطني في الامانة العامة لمفوضية الاستفتاء و هو الذي بيده كل الامور الادارية و المالية من شأنه إن يحول العملية الي مسخ مشوه و يزيف إرادة الجنوبيين أو يعرقل العملية إدارياً ، و هي –أي الحركة- محقة علي أي حال من الاحوال بحسب راي الكثير من المراقبين و يساندها في ذلك جل الجنوبيون ، خاصة إن تجربة إنتخابات أبريل الأخيرة قد أثبتت إن من يملك الامانة العامة يملك النتيجة النهائية!

أما هواجس المؤتمر الوطني فيما اذا شغل المنصب إنسان من الجنوب ، فتتمحور حول ظنه القائل بان الحركة الشعبية تسعي الي تزوير نتيجة الاستفتاء ، خاصة وإن لها مطلق السلطة في الجنوب و هي هواجس يمكن قراءاتها بين سطور قانون الاستفتاء نفسه الذي يتحدث مراراً حول ضرورة تهيئة البيئة الصالحة و الظروف الامنية المواتية لقيام الاستفتاء ومن التشديد علي ضرورة وجود مراقبين دوليين لمراقبة العملية عن كثب( المادة 6 الفقرتين أ وج) و هي كلها أمور لم يكترث لها المؤتمر الوطني كثيراً خلال التحضير للإنتخابات الاخيرة رغم إن القوي السياسية المعارضة و الحركة الشعبية إرتفعت عقيرتها أكثر من مرة مطالبة بتهيئة الاجواء من أجل تحول ديمقراطي حقيقي .

و لما كانت عملية إخيتار الامين العام للمفوضية تتم عبر التصويت الحر بين الاعضاء فلا مجال البتة لفوز أي مرشح شمالي بالمنصب لأن الجنوب له خمسة أعضاء من أصل تسعة أعضاء يشكلون هيكل المفوضية . و هذا ما عناه بالتحديد رئيس المفوضية البروفيسور محمد خليل إبريل عندما قال لوسائل الاعلام قبل أيام إن الاعضاء الجنوبيون في المفوضية يعيقون وصول الشماليين الي المناصب العليا داخل المفوضية.

لاشك أن المؤتمر الوطني يشعر اليوم أنه مغلول اليد بسبب غيابه التام عن فضاء الجنوب حيث سيقرر الشعب هناك مصير السودان التقليدي الذي عرفه الناس إنه أكبر اقطار افريقيا من حيث المساحة. فاقل ما سيقوم به المؤتمر الوطني في هذه الحالة هو الالتفاف علي العملية من الخرطوم و ممارسة لعبة كسب الوقت و المناورة السياسية عن طريق خلط الكيمان و تسميم الاجواء الامنية في الجنوب كما قال فاقان أموم إبان ضبط مروحية فلوج الشهيرة.

أما نقطة الخلاف الجوهرية الأخري فهي قضية تأجيل الإستفتاء ، وقد طفا التأجيل لأول فوق السطح ليلامس الوجعة عند الجنوبيين و من ورائهم الحركة الشعبية في الثامن من أغسطس الجاري عندما أطلق مقرر المفوضية طارق عثمان الطاهر تصريحات تناقلتها وكالات الانباء ، قال فيها إن الفترة المتبقية لا تكفي لقيام الاستفتاء في موعده وهي التصريحات التي لم تتأخر الحركة الشعبية في الرد عليها ، إذ قال الامين العام فاقان أموم للصحفيين في نفس اليوم تقريباً إن أي حديث عن تأجيل الاستفتاء يعد خرق للإتفاقية و لمح الي إن الاتفاقية تحمل أكثر من الية لتنفيذ حق تقرير المصير للجنوب في إشارة واضحة الي إمكانية إعلان إستقلال الجنوب كدولة من داخل مبني المجلس التشريعي لجنوب السودان الكائن قرب ضريح الخالد الدكتور جون قرنق دي مبيور بضاحية الوزرات في مدينة جوبا.

و قال لي نائب الامين العام للحركة الشعبية ورئيس قطاع الشمال الاستاذ ياسر عرمان بعد عودته من جوبا الاثنين ، إن إجتماع المكتب السياسي للحركة الذي إنتهي يوم الاحد الماضي أكد إن الحركة لن تقبل إطلاقاً بفكرة تأجيل الاستفتاء مهما كانت الاسباب و المبررات واضاف إن الحركة مستعدة للمساعدة في تظليل كل العقبات التي تعترض سبيل المفوضية حتي تقوم بإجراء الاستفتاء في جنوب السودان في يوم التاسع من يناير العام المقبل. و إعتبر عرمان إن ما تبقي من الوقت يكفي لاتمام العملية إذا ما توفرت الارادة السياسية لدي المؤتمر الوطني.

ويجادل أهل المؤتمر الوطني هذه الايام بإن الاستفتاء لا يمكن إن يجري ما لم يتم ترسيم الحدود بين الشمال و الجنوب بصورة كاملة كما يقومون في الوقت نفسه بحملة مكثفة في الاعلام لدعم الوحدة الوطنية . فالبرامج الحوارية و الاخبارية كلها في كل من جهازي الاذاعة و التلفزيون تحولت الي برامج تعبوية تدعو الجنوبيين الي دعم خيار الوحدة فيما يتولي كتاب اعمدة اسلاميين متشددين التطرق الي الموضوع من زاوية أخري تشبه الي حد كبير الإرهاب و الابتزاز، كالقول إن الشماليين لن يرضوا بوجود جنوبي واحد في ديارهم بعد يوم واحد من إعلان إستقلال الجنوب .

هذه التعبئة يقابلها تعبئة أخري مضادة لها علي المستوي الشعبي و الرسمي في الجنوب، إذ نظمت حركة شباب من أجل الانفصال- وهي حركة غير رسمية- عشرات المسيرات في جوبا و مدن أخري في الجنوب تطالب بإكمال الاستفتاء فيما شرعت لجنة أخري بمشاركة ضباط من فرع التوجيه المعنوي في الجيش الشعبي في دعوة الفنانين و الموسيقيين الجنوبيين الي مسابقة لتاليف النشيد الوطني للدولة المرتقبة و بلغت التعبئة زروتها هناك بحيث أصبح لا صوت يعلو فوق صوت الإنفصال.

و يري المراقبون إن الحركة الشعبية في نهاية المطاف ستقبل بمرشح المؤتمر الوطني لشغل الامانة العامة لمفوضية الاستفتاء عمر الشيخ حتي لا تعطي زريعة للوطني لعرقلة و تأخير إنطلاق التسجيل ، كما إنه في الضوء قراءات الواقع الحالي و في ظل الشحن العاطفي للجنوبيين فان الحركة لن تخسر اي شئ حتي لو أصبح أعضاء المفوضية التسع من حزب المؤتمر الوطني طالما قامت عملية الاستفتاء . لكن بالاستناد الي سابق الخلافات بين الشريكين فان صقور المؤتمر الوطني ربما يدخرون مفاجاءات أخري غير سارة للحركة الشعبية ، لاسيما و قد بدأوا الربط بين الاستفتاء و عملية ترسيم الحدود ، رغم أنه بحسب رئيس مفوضية التقييم و التقويم السير ديريك بلمبلي لايوجد في إتفاقية نيفاشا شرط يربط ترسيم الحدود بالاستفتاء.

أما المجتمع الدولي و دول الجوار الافريقي فيخشون من إنهيار إتفاقية السلام الشامل و عودة الحرب من جديد بين الشمال و الجنوب ، وهي حرب قطعاً ستكون مكلفة و أكثر ضراوة من سابقاتها لأن قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان ستضطر الي إغلاق الحدود الجنوبية و إعلان الاستقلال من جانب واحد مما يعني إنها ستكون حرب بين دولتين ، كما يعني أيضاً ضمن تبعات أخري تحول نحو إثنين مليون مواطن جنوبي مقيم في الشمال بين ليلة و ضحاها الي هدف مشروع للمتشدديين الشماليين.