logo

الجزء الأول: إحتمالات الإنفصال:-

إحتمالات الإنفصال أصبحت أكبر بنسبة قد تفوق على 80% من نسبة إحتمالات الوحدة رغم الجهود المكثفة التي تقوم بها المؤتمر الوطني هذه الأيام في إمكانية جعل الوحدة جازبة وممكنة، هذه الجهود تمثلت في تكوين هيئة قومية لجعل الوحدة جازبة الى جانب ضغ ملاين الدولارات من الحكومة المركزية في قيام وتنفيذ مشاريع تنموية في جنوب السودان هدفها إقناع إنسان الجنوبي على تصويت للوحدة عند الإستفتاء القادم.

يعيش مواطن الجنوبي في جنوب السودان وشماله هذه الأيام في شعور عن إحتمالات الإنفصال و دولتهم القادمة بعد الإستفتاء يرى الكثيرون منهم بأن نتيجة الإستفتاء هي لصالح الإنفصال، فالحديث أصبح عن الدولة القادمة في الجنوب.

الحركة الشعبية هي بدورها تقوم بتشجيع الجنوبيين على التصويت للإنفصال هذا من خلال التصريحات التي يدلون بها أمينها العام وبعض القادة السياسيين الأخرى في عدة مناسبات إن ليس هنالك وقت لخيار الوحدة وما يفعلها مؤتمر الوطني الآن من الجهود لدعم الوحدة غير كافية لإقناع الجنوبيين على التصويت للوحدة، علما بان هذه الجهود يفترض ان تكون منذ مراحل الأولى من فترة الإنتقالية. لكن الخيار الإنفصال والوحدة هو خيار للجنوبيين فقط وليس خيار الحركة الشعبية أو المؤتمر الوطني وإختيار المواطن للإنفصال او الوحدة يجب أن يكون بحريته الكاملة على حسب قرايته للأوضاع السياسية والتنموية والإقتصادية خلال الفترة الإنتقالية الفائتة كما نصت عليها الإتفاقية، كما هو أيضا يعتمد على مقدرات الحركة لقيادة الدولة القادمة في ظل ظروف الأمنية المتوترة وعدم مؤسسية قانونية ودستورية تحكم الدولة هذه الجوانب مهم لدي مواطن الجنوبي حفاظاً على حياته وحقوقه وواجباته.

الأسس والتغييرات التي كانت مطلوبة من الشماليين أو الحكومة المركزية لجعل الوحدة جازبة غير موجودة وغير متوفرة أي أن الحكومة حتى الآن لم تقوم بعمل قد يكون لمصلح الوحدة، وهذه الأسس والتغييرات كثيرة مضمونها السلطة -الثروة- الهوية السودانية هذه المشاكل عاشها السودانيين (الجنوبيين والشماليين) منذ الإستقلال وهي كانت أهم أسباب التمرد الأول (أنيانيا). بعدها وقعت إتفاقيات بين الجنوبيين والحكومة (إتفاقية أديس 1972-1983) ولكنها باءت بالفشل بعد استقرار نسبي بفترة قصيرة في الحكم الذاتي للإقليم الجنوبي، لان كان السودان عامة والجنوب مستمر في الخضوع التام وسيطرة الهوية العربية الاسلامية المتسلطة في الشمال. وهذا ما ادى فشل الإتفاقية من جانب الحكومة المركزية عندما فرض الرئيس نميري الشريعة الإسلامية على كل البلاد في سبتمبر 1983 ، حتى إندلعت الحرب مرة أخرى في نفس العام .

كانت الرؤية التي جاءت بها قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان في هذه المرة رؤية دقيقة جدا، حيث كان يرى قائدها الدكتورجون قرنق بان يمكن بقاء السودان موحداً على أسس جديدة (السودان الجديد) وهذه الأسس هي خلق هوية سودانية وطنية بدلاً عن تسلط الدين والعروبة على المجموعات العرقية الموجودة في السودان وإحترام حقوقهم ليعيش الجميع في دولة واحد متساويين. هذه الرؤية هي التى كان المواطن السوداني يرى بانها الحل الأنسب لبقاء سودان موحد.

ففكرة جعل السودان دولة عربية وإسلامية جاءت منذ الإستقلال تتفشى نظرة التعامل الشمالي والتمييز العنصري ضد الجنوبي وفي نفس الوقت الشماليون يمتلكون القوة والسلطة لتأكيد هيمنتهم السياسية وتفوقهم المادي. و الجنوبيون ينظرون لهم باحتقار و ازدراء عميق، هذا الاحتقار المتبادل ، والانقسام الاقليمي الجغرافي يجعلان من الصعب التعامل والتعايش السلمي بين المواطنيين . فأصبح الحفاظ على توحيد البلاد أمر في غاية الصعوبة الجهود التي يبذلها الآن المؤتمر الوطني قد لا تفيد قناع الجنوبيين لجعل السودان بلد موحد لان ما زالت درجات الوعي والاستعداد لتصحيح اخطاء الماضي غير كافية بصورة كبيرة. فالفترة المتبقية والتي مدتها خمسة شهور غير كافية فعلا لغرس هذه الأسس على الإنسان الجنوبي، المال والمشاريع قد يكونان جزء من هذه الأسس لكنها غير كافيان أيضا في هذا الوقت الضيق، لذلك أصبحت مؤشرات الإنفصال أعلى من مؤشرات الوحدة وإلا تاتي الوحدة بطريقة مسيسة كما كانت نتيجة الإنتخابات الأخيرة وهذا أيضا جزء من مهمات الهيئة القومية لجعل الوحدة جازبة، حيث أن شريكان يمكن أن يتفقا على قلب النتيجة لمصلحتهما وليست لمصلح المواطن الجنوبي وهذه هي مخاوف أحزاب السياسية الأخرى من إجتماعات الشريكين أيام الأخيرة دون مشاركتها. حيث يفضل مشاركة كل الأحزاب السياسية السودانية في حوار لان القضية هي قضية قومية، والحركة الشعبية مع أحزاب الجنوبية لابد ان تتحاور فيما بينها لتوحيد الرؤة وإستراتيجيات لمرحلة ما بعد الإستفتاء وخلق جؤ ديمقراطي ومناسب لمواطن الجنوب عند التصويت.

نواصل عن مقومات الدولة القادمة في الجزء الثاني (وهو جزء الخاص بالإقتصاد و التعليم العالي).