logo

الإنتخابات العامة التي جرت على السودان في 11 من أبريل الجاري 2010م كانت موضوع إهتمام دولي وإقليمي ومحلي كبير جداً، حيث لم تشهد السودان منذ ربع القرن مثل هذه الإنتخابات في قضية التحول الديمقراطي.

إتفق المراقبين الدوليين والمحليين بأن هذه الإنتخابات تمت في الجؤ من الهدء على عكس ما كان متوقع في ظل ظروف السياسية المطربة التي كانت تمر بها السودان بين أحزاب المعارضة من الجهة والحكومة المتمثلة في شريكي الحكم من جهة أخرى، هذه ما كانت نقطة خوف كبير عند هؤلاء المراقبين بان إحتمال إندلاع مواجهات بين تلك القوي السياسية، وخاصة بعض منها كانت تطالب بالتأجيل الإنتخابات بسبب عدم نزهيتها وسيطرة المؤتمر الوطني على أجهزة الدولة المتمثلة في الإعلام. فقامت الإنتخابات فعلاً حتى تمت في الجؤ من الهدؤ وإقبال واسع من المواطنين في أنحاء السودان كافة هذه تمثل نقطة إجابية لمدى واعي المواطنين وأهمية التحول الديمقراطي عندهم وإحداث التغيير.

عملية التغيير كانت الأهم عند المواطنين في هذا الحدث الكبير حتي معظم القوي السياسية خارج الحكم كانت شعارها التغيير بأن لابد من حدوث تغيير في الحكم، لان إذا هنالك مشكلة في الحكم لابد من التغيير، وإذا هنالك أخطاء في الحكم لابد من التغيير، وإذا كان هنالك تفكك في قيادة حزب الحاكم لابد من التغيير، والتغيير لم يفعله من هو في الحكم، بل يفعله من هو خارج الحكم.

شعب الجنوبي كان الأكثر شعوب مناداة بالتغيير عندما يئسوا من حكم الحركة الشعبية عليهم، وكانوا ومازالوا يتضامنون ويؤيدون بالقوة برامج الحركة الشعبية لتحرير السودان-التغيير الديمقراطي التي يقودها إبن الوطن الأمين الدكتور لام أكول أجاوين، وبالرغم من إن فوز سلفاكير ميارديت المتوقع في هذه الإنتخابات إلا انهم ( سلفاكير بنفسه والحركة الشعبية) تعلم تماما بانهم فازوا بالتزوير بحكم سيطرتهم على مراكز الإقتراع في جنوب السودان وبإستخدام جيش الشعبي لإرهاب وتهديد المواطنين وإجبارهم بالتصويت لصالح الحركة، ولكن الفائز الحقيق هو الدكتور لام أكول أجاوين.

التجاوزات والتزوير التى قامت بها الحركة الشعبية في جمع مناطق الإقتراع في جنوب السودان معروفة ولا يمكن إنكارها لان هنالك شهود عليها وهم:-

1. مواطن الجنوبي نفسه الذي أجبر بالقوة ليصوت للحركة الشعبية، بعدما منعوه بإدلاء بصوته لحزب آخر غير الحركة الشعبية، وحدث ذلك في ولايات بحرالغزال الكبري وولالاية البحيرات حيث لم ينتخب الناخبين غير الحركة الشعبية.

2. ممثلي الأحزاب الأخري الذين طردوا وأعتقلوا وقتل بعض منهم عندما رفضواء إقضاعهم للحركة الشعبية في بحر الغزال الكبرى والبحيرات وشرق الإستوائية وبعض مراكز الإقتراع في ولاية أعالى النيل .

3. أطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم 18 سنة كما نصت عليها قانون الإنتخابات.

المفوضية القومية للإنتخابات نفسها كانت تعلم ولديها إلمام تام بهذه التجاوزات والتزوير وإلتمزت بالصمت بل أنكرت ذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة. هذه المفوضية المسيسة كذبت امام الشعب السوداني لانها لا تملك سلطة لنفسها رغم إستقلاليتها التام ورغم وجود قانون خاص بها لم تستطيع أن تقف بالجراءة وتملك قوتها بل أخضعت لسيطرة المؤتمر الوطني في الشمال والحركة الشعبية في الجنوب.

إن فوز الحركة الشعبية بمنصب الوالي في كل من أعالى النيل، إستوائية الوسطي، غرب الإستوائية، شمال بحر الغزال وولاية الوحدة هو أكبر عملية تزوير قد يشاهدها الجنوب ضد المستقلين وأحذاب الجنوبية الأخرى، لان الأرقام معروفة ولا يوجد ما يشير الى فوز الحركة الشعبية في تلك الولايات وهذا ما قد يؤدي الى إندلاع مواجهات قبلية وسياسية محتملة فور إعلان النتيجة في جنوب السودان.

نقول لشعب ولاية أعالى النيل والوحدة الذين صوتوا لتغيير، بأنهم لم يتراجعوا عن ولاءهم لتغيير لانهم كانوا يؤمنون به ولم يخيب آمال مرشحيهم على كافة المستويات، نشيد بموقفهم البطولي رغم تهديدات الحركة وجيشها لهم.

نريد ونشجع الشعب الذي يعرف حقه ولا يخاف أبداً ويعرفون كيف يدافعون عنه خاصة في مرحلة التحول الديمقراطي. أما الذين تم تهديدهم وخافوا وخزلوا أحزابهم ومرشحيهم، نقول لهم لقد بيعتم قضيتكم بسبب خوفكم لانكم لا تعرفون كيف تدافعون عن حقوقوكم.

من خلال تدشين الحملات الإنتخابية في جميع ولايات جنوب السودان الصورة كانت واضحة جدا بأن الرئيس القادم لجنوب السودان هو الدكتور لام أكول أجاوين وليس سلفا كير ميارديت كما حدث الآن، لقد كان الفرق كبير جماهير الرجلين في أعالى النيل الكبرى ( ملكال، بانتيو ومدينة بور) وكذلك مدينة جوبا بإستوائية. لقد كان عدد الذين يتقبلون الدكتور لام أكبر بكثير عدد الذين يتقبلون سلفاكير في هذه المدن. وسبب هذه العددية تم منعوا من تدشين حملته في بحر الغزال الكبري كما حدث في ولاية غرب بحر الغزال واو.

كان معروف في السودان وخارجها بأن الدكتور لام أكول هو الفائز في جميع هذه الإنتخابات وهو رئيس جنوب السودان القادم من دون منازع.

الرجل كما يعرفه الكل هو ذو قوة الإرادة السياسية، لقد حاولت الحركة الشعبية منذ السنة الثانية من حكومية الإنتقالية تعطيله وقتل إرادته السياسية ولكنهم لم يستطيعوا فعل ذلك، لانه كان ناجح في عمله وبرء من الإتهامات التي كانت تتوجه ضده، وله مساهمات في إتفاقية السلام الشامل التي تم توقيها في نيفاشا 2005م لقد كان صاحب فكرة حق تقرير المصير لشعب الجنوبي في مؤتمر برلين عام 2002م، وتم إعتمادها من قبل المجتمع الدولي والإقليمي.

أيضا عندما كان وزيراً للخارجية السودانية، لقد راى بعض المراقبين آنذاك بأنه كان أنجح وزير إتحادي على مستوي الحكومة الوحدة الوطنية بسبب أداءه المميز في التعامل مع القضايا السياسية والدبلوماسية، لقد قاد عديد من قضايا السودانية بنحاح على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي، كان السودان في تلك الفترة يواجه ضغوط شديد من قبل المجتمع الدولي والإتحاد الافريقي بقضية دارفور، والعقوبات الدولية الإقتصادية التي كانت تفرض على السودان، هذا كان بجانب قضايا داخلية بين شريكي الحكم أدت الى توتر شديد في العلاقات بين الشريكين فيما بينهما والقوى السياسية الأخري. كانت مواقف احزاب حكومة الوحدة الوطنية حول تلك القضايا متباينة وغير متفقة وبالخاص شريكي الحكم، وهذه الخلافات كانت تتمثل نقطة تحول كبير في مسيرة إتفاقية السلام الشامل في السودان والتي أدى الى زيادة في التوتر داخل الحركة الشعبية في ما بينها.

ما نستطيع زكرها ونشيد بها الرجل هى مثالة تعيين أبناء جنوب السودان في الوزارة الخارجية لأول مرة في تاريخ السودان منذ الإستقلال، أبناء الجنوب اليوم هم دبلوماسيين يستطيعون قيادة مستقبل جنوب السودان، هو دليلا قاطعا على كفاءة الرجل ومقدرته لفعل الصعاب بل المستحيل، لاننا كجنوبيين كنا نرى أنه من المستحيلات تؤظيف أبناء جنوب السودان بهذا الكم من العددية في آن واحدة في إحدي الوزارات التي كانت يهتكرها الشماليين منذ الإستقلال. وهذا ما لم يفعله أي وزير آخر جنوبي في الحكومة الإتحادية، ولا المفوضية الخدمة العامة التي بموجبها تم تكوينها وفقا للإتفاقية نيفاشا، هذه المفوضية كان من المفترض أن تقوم بتعين أبناء الجنوب في الخدمة العامة كل سنة من الفترة الإنتقالية وليست مرة واحدة كما حدث الآن حيث أن النسبة التي تم تعينها حتى الان لا تتجاوز 3% من النسبة الكلية المطلوبة وهي 20% حسب ما نصت عليها الإتفاقية.

لقد كانت قيادة الحركة الشعبية تعلم تماما إن الرجل بمقدراته وكفاءاته وذكاءه العميق خطر عليهم في قيادة الحزب، حتى الدكتور جون قرنق كان يعلم بأن دكتور لام أكول هو القائد الثاني في الحركة الشعبية وليس غيره بما يملكه من مقدرات سياسية لدبلوماسية والتي كانت سبب في نجاح سياسات الخارجية للحركة وعلاقاتها بالدول في الفترة الحرب عندما كان يشغل منصب شئون العلاقات الخارجية للحركة.

وبعد إعفاء الرجل من وزارة الخارجية تواصل مسلسل الإقصاءات من قيادة الحركة حتى تم إقصاءه من المكتب السياسي للحركة الشعبية في مؤتمرها العام الثاني التي عقد في مدينة جوبا يوليو 2008م رغم إنقاذه لمؤتمر وإخراجه بصورة ناجحة جدا أشاد عليه الوفود من منظمات المجتمع الدولي وأحزاب سودانية، بعد توتر شديد وكبير دام طوال أيام المؤتمر. كان الفأس سيطيح برأس الأمين العام للحركة باقان أموم، وأيضاً برأس نائب رئيس الحركة الدكتور رياك مشار وهذا ماكان سيؤدي الى إنشقاق كبير وربما تفكك في قيادة الحزب لو لم يكن يكن تدخل الرجل بذكاءه. من يستطيع ان ينكر الدور الذي لعبه الدكتور لام أكول في المؤتمر من قيادة الحركة ؟

تنفس الجماعة سعداء ولم يشكروا الرجل بل إستبعدوه من المكتب السياسي للحركة الشعبية. الرجل لم يتولى أي منصب بعد ذلك سوى في الحكومة المركزية أم في حكومة الجنوب ، بل تعرض الى عديد من الإتهامات بسبب موقفه الوطني من بعض القضايا الوطنية مثل قضية محكمة الجنائية الدولية، وقضية التنمية في الجنوب والحروبات القبلية التي كانت تدور فيه مطالباً قيادة الحزب آنذاك بضرورة حل هذه المشاكل ولكن أتهموه بخروج عن خط السياسي للحزب.

هذه الصفات لن يوجد من يملكها في الحركة الشعبية، حتى الرئيس سلفا كير نفسه لم يقم بعمل سياسي دبلوماسي ولكنه كان في ميادين القتال طوال فترة الحرب. فالجنوب ودولته القادمة تحتاج الى شخصية عالمية يجيد التعامل مع كافة القضايا على كل المستويات المحلية والدولية والإقليمية.

فنتيجة إنتخابات أعطت مرحلة أخرى من مراحل الحروبات القبلية وقضايا الفسادن ربما تكون الأعنف من مرحلة السابقة لانها نتيجتها غير مقبولة على كافة المستويات.

ولكن نناشد القوى السياسية الجنوبية والمستقلين بالتعامل مع هذه الأوضاع وفق وحقوقهم القانونية والدستورية في ممارسة العمل السياسي.

بقلم المهندس/ فاسكولا عبدالله أجانق نكير