logo

Late Garang and Omar Albashirمنذ توقيع إتفاقية السلام الشامل بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحكومة السودان في يناير عام 2005، كان أهم حدث تاريخي في السودان بصفة خاصة و إفريقيا بصفة عامة. لقد كانت الاتفاقية فريدة عن الاتفاقيات السابقة التي وقعتها الحكومة مع المتمردين، حيث أعطى ثقة كاملة في قلوب كل السودانيين بمختلف ألوانهم الاجتماعية والثقافية والسياسية، فانتهت اطول حرب أهلية في إفريقيا الى ما غيررجعة بدخول بطل السلام الافريقي الدكتور جون قرنق دي مبيور القصر الجمهوري وأدائه اليمين الدستورية كنائب أول لرئيس جمهورية السودان.

لقد كانت تلك الايام بمثابة تحقيق حلم كل السودانين. الاتفاقية كانت وما زالت تمثل حلا نهائيا لمشكلة الجنوب و السودان، لا حل اخر على الاطلاق ولا رؤية أخرى مهما إندلعت الحرب مرة أخرى. ولسنا الوحيدين في السودان الذين لدينا هذا الفهم، هنالك دول إفريقية وأوروبية وامريكا كانت راعية على التوقيع بل كانت شاهدة عليها بداية بناكورو حتى نيفاشا. وهم أيضا يرون ألا حل آخر لمشكلة السودان غير تطبيق الاتفاقية السلام الشامل بأظافيرها واعادة الثقة في القلوب، وهذا واضح تماما من اهتمام هذه الدول بالقضايا السودانية. الاتفاقية هي فرصة كبيرة ونادرة حتى الآن لنا كسودانيين في بناء دولة سودانية جديدة على أسس جديدة تعيش فيها كل السودانيين كقبيلة واحدة مثل بلدان العالم الأخرى أو تاسيس دولة جنوبية جديدة بعد الاستفتاء على حق تقرير المصير عام 2011م. الاتفاقية نصت ان تجعل الحكومة الوحدة الوطنية الوحدة خيارا جاذبا وهو العمل المطلوب خلال الفترة الانتقالية كاولويتها وجازبية الوحدة في رايي تمثل في المصالحة الوطنية وبث الثقة في قلوب السودانيين فيما بينهم بصفة عامة والجنوبيين بصفة خاصة بتنفيذ برتكولات الترتيبات الامنية وقسم الثروة والسلطة الى جانب قضايا التنمية ، وبناء ما دمرته الحرب.

وإن إرادة الله فوق كل توقعات الا نسان. لقد رحل صانع السلام وصاحب الرؤية في بناء دولة السودان الجديد على أسس جديدة، وترك السفينة الى سلفا كير ميارديت ودكتور رياك مشار ودكتور لام أكول وباقان أموم وكل رفقاء درب النضال لمواصلتها الى بر الامان، وهو تطبيق الاتفاية بأظافيرها.

مضت اربع سنوات على الاتفاقية، ونرى ان التوتر يزداد بين الشريكين، وبدلا من أن تتجه الأمور الى حوار سياسي دبلوماسي بينهم أصبحوا يتبادلون الاتهامات والتهديدات غير مبررة.

هنالك قضايا ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب عالقة، ومشكلة أبيي وتدهور الامن في الجنوب وتوظيف نسبة 20% من أبناء الجنوب في الخدمة المدنية. بل زيادة على ذلك هنالك ظاهرة الفساد المالي والاداري يزداد يوما بعد يوم في الجنوب. الاتهامات والتهديدات بالعودة الى المربع الاول، واللجوء الى خطة (ب) واللعب بالنار المتكررة التي ظلت تطلقها الحركة الشعبية للمؤتمر الوطني بحجة أن الاخير لايريد تنفيذ الاتفاقية ويضع عراقيل في طريق تنفيذها هي تعجيزية وعدم قدرة على الحوار السياسي والدبلوماسي مع المؤتمر الوطني ومع القوي السياسية السودانية الأخرى والأحزاب الجنوبية، بل جعلت الشعب الجنوبي والسوداني يشعرون بالخوف من إندلاع الحرب مرة أخرى ويفقدون الثقة في قدرة حكومة الوحدة الوطنية على تنفيذ الاتفاقية.

هنالك أوضاع أمنية متدهورة جداً في الجنوب والتدهور مستمر منذ أن وصلت الحركة الشعبية إلى الحكم، فشهدت ولاية جونقلي قتالا عنيفاً جدا بين القبائل الدينكا –المورلي –النوير راحت ضحيتها ما يقارب 2000 شخص منذ اندلعها اوائل عام 2008. وكذلك في ولايتي واراب والبحيرات بين الدينكا نفسها وبين الدينكا وجربيل وفي ولاية أعالى النيل بين الدينكا والشلك وبين النوير مع الجيش الشعبي. تلك الحروبات القبلية لم تكن موجودة في فترة الحرب أن يتقاتل الجنوبيون أنفسهم ويموت هذا الكم من الناس، وبأي سبب؟؟. وزيادة على ذلك هنالك انتشار السلاح بكمية كبيرة بين المواطنين وبصورة مستمرة. الاتفاقية تقول لابد من جمع السلاح من أيد المواطنين بل يحدث العكس، هل نحن في فترة جديدة من الحرب؟؟

السؤال الذي يجب طرحه هو: على من تقع مسؤولية هذه الحروبات القبلية الدائرة في الجنوب الآن؟؟ ومن المسبب فيها؟؟ هل المؤتمر الوطني ام الحركة الشعبية؟؟

هنالك فشل واضح من الحركة الشعبية في حكم الجنوب، لابد من الاعتراف به. هذا الفشل أكدته ربيكا دي مبيور في احتفال الذكري الرابعة لرحيل دكتور جون قرنق الذي أقيم في جوبا حيث قالت أن الحركة الشعبية فشلت في تطبيق الرؤية التيتبنتها الحركة الشعبية على مستويي حكومة الجنوب وحكومة الوحدة الوطنية. وكان واضحاً في أداء وزراء الحركة الشعبية في الحكومة المركزية، لم نر اداءهم بالصورة مقنعة للشعب الجنوبي، فالطرق التي تربط بين الجنوب والشمال ما زالت غير مؤهلة للنشاط التجاري والاقتصادي والمواصلات. قالوا أن هنالك مفوضية الخدمة العامة وسيتم عبرها توظيف نسبة 20% من أبناء الجنوب في الخدمة العامة، مرت اربع سنوات من الفترة الانتقالية وثلاث سنوات من عمر المفوضية وتبقت سنتين فقط للفترة الإنتقالية ، أين ال 20% من أبناء الجنوب في الحكومة المركزية؟؟ هنالك تصريحات بان المتقدمين يقارب 19 ألف تقريبا يمثل ( 3% ) وأن تعيينهم في وظائف مختلفة سيتم قريبا. ولكن متي يتم ذلك؟ ومتى يتم تعيين النسبة المتبقية؟؟

الشعب الجنوبي بالحقيقة أصبح حائراً بين عنترية فاقان أموم وهدوء سيد الرئيس ميارديت بلا أمل في المستقبل. بل فقدت الحركة شعبيتها وهيبتها في الشمال والشرق والغرب والجنوب نتيجة لفقدان الثقة والذي يزيد يومياً. الحركة الآن تصرح عن انفصال الجنوب حتى ولو عبر اعلانه في البرلمان. والان أصبحوا يعتقلون أعضاء أحزاب الاخري ويضايقون ممارسة نشاطهم في الجنوب، أين الديمقراطية التي ينادون بها؟ أين حرية التعبير التي من أجلها جاءت الحركة الشعبية ؟؟

أن ولادة حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان –التغيير الديمقراطي الذي يقوده ابن الوطن المخلص- الدكتور لام أكول أجاوين جاءت كمنقذ لاتفاقية السلام الشامل وأمل لشعب الجنوب من هذه الاوضاع الصعبة التي يعيشونها ويضع لهم أملاً عبر بوابة التغيير الديمقراطي . الشعب الجنوبي يعرف تماما قدرات الرجل الهائلة في قيادة الوطن، وفي صنع التغيير الذي ينادي به والذي فشلت فيه قيادة الحركة الشعبية، ويعيد المياه الى مجاريها على حسب ما نصت عليه اتفاقية السلام الشامل، كما انه يمتلك القدرةعلى الحراك الدبلوماسي والسياسي مع غيره، ويميز الرجل عن غيره في أمانته وإخلاصه للوطن. هذه الصفات وغيرها يملكها الدكتور لام أكول أجاوين وهي ما نحتاجها في القائد الحقيقي. وبسبب هذه القدرات الهائلة للرجل أصبحت الحركة الشعبية تمارس الاعتقالات للذين ينضمون الى التغيير الديمقراطي ويمنعون ممارستها النشاط السياسي في الجنوب.

ولكن مهات، فإن التغيير الديمقراطي تيار جارف لا يمكن أن يوقفه أحد مهما إدعى من قوة. فالقوة هي الإرادة الشعبية وليست غيرها.

والآن الخوف الاكبر للحركة الشعبية هو الانتخابات القادمة في أبريل 2010م، لانها حتى الان لم تسم مرشيحيها لرئاسة الجمهورية ورئاسة حكومة الجنوب. والواضح إنهم يريدون الانفراد بالجنوب نحو الانفصال دون الإنتخابات ودون إجراء عملية الاستفتاء للجنوبيين 2011م. لكن إتفاقية السلام الشامل واضحة في هذا الخصوص. فلابد أ يسبق إجراء الإنتخابات عملية الاستفتاء على تقرير المصير، وأن الإستفتاء هو سبيل الوحيد لتحقيق إرادة شعب الجنوبي –الوحدة أو الإنفصال.