Written/Submitted by Kimy James Oway
Category: المقالات العربية
Hits: 4160
فاقان أموم أمين الحركة الشعبية ووزير السلام إنسداد الأفق  الأمني الواقع الأن في ولاية  أعالي النيل ، علاوة علي نواح أخري من الجنوب ، هو بلاشك بمثابة مراة  ضخمة  تتجلي علي صفحتها عورتنا  و كذلك  "عوارتنا " كأمة تتاهب لتجد لها موطئ  قدم من بين الأمم عندما يتم الإعلان رسمياً في التاسع من يوليو القادم عن ميلاد جمهورية جنوب السودان كأحدث دولة في العالم.
فأمر تقصي الحقائق حول  الحروب التي تجري  حالياً في الجنوب  والآخذة وتيرتها في تصاعد  مستمر  مع تقادم الأيام  كتلك  الحروب التي تدور رحاها بين  الدينكا و الشلو في أعالي النيل ، وتلك التي يخوضها  جورج أطور و رهطه في جونقلي  و أخرون في ولاية الوحدة   ضد الحكومة،  أضحي عصياً  إن لم يكن مستحيلاً  ، وذلك علي الرغم من جلاء  أسبابها  للملأ.


لقد تم  خلط الأمور بشكل فوضوي و مدمر  وكانت الضحية الوحيدة هي الحقيقة و المعلومة الحقة  ، فمثلاً في ولاية أعالي النيل  ، علي الرغم  من أن الكل يعلم  إن النزاع بين شلو و دينكا  فدانق  يدور هناك حول تغول الأخيرة علي أراضي الأولي بمساندة خفية من قيادات نافذة في جوبا ووسط صمت  فاضح و مريب  من بعض أبناء شلو النافذين في السلطة ، الإ إن الكل يزعم سبباً أخر لهذا نزاع  غير تلك المعلومة للجميع!! أي ببساطة الكل يبصر الفيل  يسير أمامه ولكنه يتظاهر بغير ذلك!!


ولا تثريب إذاً إنه عندما تسود الشائعة  مسرح ما  وتغيب  الحقيقة المجردة أو تٌغيّب  و تحجب ،  ليس فقط  عن  أعين  وسائل  الأعلام  ومراكز الأبحاث المستقلة  ولكن عن الحكومة نفسها   ، عندئذ يصبح المصدر الوحيد للمعلومة هو مجالس النميمة  والإ فما معني أن يتم تكوين لجان  تلو لجان  لتقصي أسباب هذه الصراعات  و يتم الصرف عليها بسخاء من خزينة الدولة أو قل خزينة الولاية ، فامر سيان ،  ثم ما تلبث أن تنفض سامرها  دون أن تصل الي الحقيقة  التي تعين الحكومة علي  إتخاذ قرارات حكيمة تحقن الدماء و تحفظ هيبتها عند المواطن.


من الذي يخفي الحقيقة في أعالي النيل عن الحكومة في جوبا و يقوم بعملية تضليل كبري قادت الي الكوارث التي حدتث في الولاية مؤخراً. الإجابة علي هذا السؤال مثل السير في متاهة  لا نهاية لها ، ولكنني علي حال من الأحوال  سأحاول التصدي  له وفقاً لما هو متاح من المعلومات و مشاهدات علي الأرض.


عندما هاجمت قوات أولنج مدينة ملكال  شهر مارس الماضي  ،  كان أول من صرح حول الأحداث لمحطة إعلامية واسعة الإنتشار في الجنوب من أعضاء  حكومة أعالي النيل هو مستشارها  لشئون  الأمن غبريال توت قارشانق  وبالطبع هو  خير من يتحدث عن الأحوال الأمنية لأن الأمر يقع  مباشرة تحت دائرة إختصاصه، كان هذا صباح اليوم الثاني من الهجوم.


قال المستشار قارشانق بعد أن إتهم أولنج بإنه قائد مليشيا تابع لحزب الحركة الشعبية التغيير الديمقراطي ، إن أسباب الهجوم علي ملكال تعود جذوره الي صراع الأرض بين الدينكا و الشلك ! و لولا كلمة "جذوره"  لقلنا إن المستشار مخطئ ،  ذلك إن هجوم  أولنج علي ملكال ليلة الجمعة 11 وصباح السبت 12 مارس الماضي كان إمتداداً  لمعركة الفتاة المغتصبة  في ضوطيم  و هذه قصة معروفة للقاصي و الداني ، ولكن الذي أوجد أولنج و جيشه  في الأساس هو قيام جماعات محسوبة علي دينكا فدانق بإغتصاب أراضي شلو  وشن غارات دموية علي قري شلو ،  فنهض الرجل  للدفاع عن أرضه و عرضه  بعدما عجزت الحكومة أو تقاعست عن القيام بواجبها  و هنا كان مستشار الشئون الأمنية في ولاية أعالي النيل مصيباً حين أرجع جذور الهجوم الي المسبب أي صراع الأرض بين فدانق وشلو ، و كان الرجل  بذلك يشخص الداء من مكمنه.


ولكن قصة المستشار لم ينتهي من هنا فقد تعرض علي يبدو من المعطيات و تواتر الأحداث  فيما بعد الي ضغوط  من رؤسائه  خلال  إجتماع  مجلس أمن الولاية الطارئ حول الأحداث يوم الأحد 12مارس و عوتب الرجل علي تصريحه ذاك ،  وقيل له إنه ما كان ينبغي أن يشير الي إن الهجوم كان سببه صراع الأرض بين الدينكا و الشلو، بل كان الأجدي إن يكتفي بإتهام  التغيير الديمقراطي بتدبير الهجوم  وهو ما حدا  بالرجل إن يحاول إلقاء اللوم علي المحطة التي أذاعت الخبر ، وقال إنها حرفت كلامه ، وهو عادة معروفة علي أي  حال عند السياسيين عندما يقعون في زنقة ما فإن كبش فدائهم الجاهز هو الإعلام.

فالذين زجروا السيد المستشار هنا يريدون إخفاء الحقيقة و أخراج الأمر في ثوب  أخر مختلف وتحريف الحدث عن مساره وذلك حتي يرضي عنهم الباب العالي  وهذا لعمري ضرب من التضليل الذي نعانيه في الجنوب إزاء أزماتنا  المذمنة ، فالمعلومة الحقيقية لا تصل الي القيادة العليا بلا رتوش في أسوأ الحالات إن وصلت في الأساس!! 

فنحن نسمع كثيراً من قادة حكومة الجنوب  و الحركة الشعبية لتحرير السودان رواية مفادها إن هنالك ثمة مؤامرة كبري  تحيك خيوطها  في جنح الظلام  جهات داخل حزب المؤتمر الوطني و أخري  في  داخل القيادة العامة للجيش في الخرطوم ، و تهدف المؤامرة بحسب فاقان أموم أمين الحركة الشعبية ووزير السلام  الي  الإطاحة بحكومة الجنوب  قبل التاسع من يوليو موعد إعلان الأستقلال  ، أو في أسوأ الفروض زعزعة إستقرار الدولة الجديدة عن طريق  الإستثمار في التناقضات الداخلية للجنوب كنوع من الصيد في المياه العكرة.


هذه النظرية أتفق تماماً فيها مع فاقان  حتي ولو إنه لم  يكشف النقاب  عن الوثائق  الدامغة التي دعمت نظرية المؤامرة تلك  وعضدت روايته . فمن البديهي  جداً  إن المؤتمر الوطني بعقليته المعروفة للجنوبيين لا يريد للجنوب أن ينعم بالسلام و الإستقرار بعد أن ذهب بعيداً عن الشمال خاصة إنه - أي  المؤتمر الوطني -  لا يزال  غارقاً في مستنقع دارفور الآسن الي جانب تناقضاته الداخلية.


ولكن مالا أتفق فيه مع فاقان وغيره من قيادات  حكومة الجنوب ، هو بدأ لي  خلال متابعتي لنهجهم ، إنه إعتقاد يكاد  يتحول  الي  قانون غير مكتوب  وهو إقصاء الأخر و إحتكار الفعل السياسي علي كل المستويات وتكميم الافواه  و التغاضي عن أخطاء شنيعة يرتكبها نافذين في الجيش و السلطة التنفيذية.


وحتي  لا نبدو كمن يطلق الكلام علي عواهنه ، فإن جل الأحزاب الجنوبية التي كانت مشاركة في لجنة مراجعة الدستور إنسحبت بحجة إحتكار ممثلي الحركة للعمل ولا مبالاتهم بملاحظاتهم ، و مؤخراً صادرت سلطات الامن بمطار جوبا أكثر من الف نسخة من صحيفة جوبا بوست نصف الأسبوعية لأنها  تحدثت عن إنشقاق بيتر قديت و هاتفت جورج أطور ، و من قبل تم زجر راديو مرايا التابعة للأمم المتحدة لأنها بثت صوتاً لأطور ، وأحداث ملكال الأخيرة لم تكن لتحدث لو أن العسكري الذي إغتصب فتاة حوسب من قبل قادته كما يجب و الأمثلة تتري . فتحصين الجنوب من المؤامرات الخارجية يتم  بقطع الطريق علي المأمرين و المتربصين وهذا  يعني توفير بيئة نظيفة في الداخل  تودي الي خلق جبهة داخلية متماسكة كتلك التي كانت موجودة أيام الحرب وهذا بدوره يتطلب قيادة سياسية واعية مدركة لواقعها، فرمي كل  ما يحدث في الجنوب حالياً و مستقبلاً  علي الشمال و إن كان نسبياً صحيحاً يعكس بدرجة أخري عجز القيادة الجنوبية علي مداواة واقعها بما يحصنها ضد مؤامرات مؤتمر الوطني ، وهو علي أي حال من الأحوال أمر لن يدوم طويلاً لأنه خاضع لموازنة المصالح و التقلبات السياسية دولياً و إقليمياً ومحلياً.


كيمي جيمس أواي


6 أبريل 2011