logo

من المعروف إن الشلك ينحدرون من السلالة الحامية، مثلهم مثل بقية قبائل السودان الأخرى ما عدا العربية بالطبع، وهم نيليون أيضاً، حيث إن النيلين ينقسمون إلى ثلاثة مجموعات رئيسة في جنوب السودان وهى : الدينكا، والنوير، ولوه Luo. وينحدر الشلك من مجموعة اللوه التى تنقسم إلى مجموعات صغيرة يشكل الشلك فيها الجماعة الرئيسة.

فهجرة اللوه إلى مواطنهم المعروف اليوم قد اتسمت بالمغامرات والخلافات الحادة بين هذه المجموعة، فبوصولها إلى المنطقة التى تسكنها قبيلة البارى، في الاستوائية، تفرع لوه إلى مجموعتين رئيستين : الأولى اتجهت جنوباً مكونة فيما بعد قبائل الأشولى، وألور، ولانقو، بالإضافة إلى قبائل صغيرة أخرى تسكن يوغندا الآن. أما المجموعة الثانية فاتجهت شمالاً ودخلت بحرالغزال حيث آثرت مجموعة صغيرة منها البقاء والاستقرار مكونة قبيلة اللوه ببحر الغزال وجور بئل، وبلندا بور. أما الفصيل الرئيس فواصل الرحلة شمالاً وعبر النيل (النهر) ليؤسس مملكة الشلك، بينما تفرعت مجموعة صغيرة واتجهت شرقاً لتكون قبيلة الأنواك.

يشكل الشلك المجموعة الوحيدة من بين أفراد مجموعة اللوه التى ترقت وتطورت في شتى مناحي الحياة والرقى الإنساني حتى وصلت إلى ما تسمى اليوم بأمة. وقد بدأ ذلك في بداية الربع الثاني من القرن الرابع عشر بفضل مجهودات زعيمهم الروحى نيكانقو أكوار وابنيه داك وكال.

ولمملكة الشلك أوجه شبه في كثير من الشؤون بالممالك النوبية القديمة التى كانت سائدة في شمال السودان قبل دخول العرب والإسلام. و يقال أن حرفة تعدين الأسلحة البيضاء وصناعة آلات الصيد المختلفة التى يشتهر بها الشلك، قد انتقلت إليهم عبر الممالك النوبية القديمة. كذلك أهل جبال النوبا يجمعهم بالشلك تاريخ طويل على مر العصور والأزمنة ذاقوا فيه معا الحلو والمر وسوف نأتي إلى ذكر ذلك لاحقاً.

في أواخر القرن الرابع عشر للميلاد تمكن نيكانقو آكوار من توطيد أركان دولته الوليدة وذلك عن طريق استخدام الوسائل الدبلوماسية والعسكرية. الوسائل الدبلوماسية، مثل الترغيب والإقناع، أما الطرق العسكرية فكانت عن طريق احتواء المعارضة والمقاومة وضم الأمم والقبائل الأخرى إلى الشلك. لقد كان لهذه الدبلوماسية المحنكة اليد الطولى في ازدهار مملكة الشلك وتقدمها بل وتوسعها حتى وصلت حدودها مشارف مدينة الخرطوم الحالية. وما فتئت الأمم المتقدمة في عالم اليوم، الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، على سبيل المثال لا الحصر تستخدم هذه الدبلوماسية العتيقة في شتى ضروب الحياة بدءاً بالسياسة وانتهاءً بالاقتصاد. إن دبلوماسية نيكانقو لم تقتصر على أمور مملكته الداخلية ورسم سياساته مع الرعية من أبناء قومه وبنى جلدته، تعدى ذلك إلى تحكيم علاقات الشلك عامة مع القبائل المجاورة مثل الدينكا، والنوير بالإضافة إلى النوبا.

لقد تسارعت مملكة الشلك في النمو والتوسع شمالاً فأخذت هذه المبادىء الأساسية التى أرساها نيكانقو تأخذ منحى أقوى في صورة السياسة الخارجية للشلك في تحديد العلاقة، سلماً أو حرباً، مع جيرانهم ومع الأجناس الأخرى التى دخلت السودان لاحقاً مثل العرب والأتراك، والمصريين، والإنجليز، والفرنسيين. لقد أكد هذا النموذج الشلكاوي النظرية القائلة بنضوج الإنسان الأفريقي.

من الثابت أن أسلاف الشلك قد قدموا إلى مناطقهم الحالية منذ زمن قديم لكن مما لا شك فيه أن نظرائهم من الدينكا والنوير قد سبقوهم إلى جنوب السودان، رغم ذلك تمكن الشلك من إرساء أسس لنظام ملكي/ وراثي فريد ونادر لا يوجد مثيل له اليوم إلا في بريطانيا (الملكة) واليابان (الإمبراطور) وجنوب أفريقيا (مملكة سويتو). ويبدو ان المؤرخين لا يملكون الكثير من الحقائق التاريخية لقبيلة الشلك إلا أن النظام الملكي القائم على أساس الملك الإلهي المطلق ظل متسلسلاً بطريقة سلسة ومستدامة رغم محاولات القضاء عليه ووأده ( المهدية والأتراك- المصريين). مما هو متناقل عن الأسلاف مروراً بالأجداد ثم الآباء أن النظام الوراثي في الشلك منذ نيكانقو آكورا الزعيم، الأب الروحي، الرث الأول، ومؤسس مملكة الشلك، كان حكراً على الأسر الحاكمة واليك أسماء ملوك الشلك الذين تولوا أو استولوا على عرش المملكة منذ تأسيس المملكة إلى يومنا هذا:

1- نيكانقوا آكوارا 1545-1575

2- كال نيكانقو 1575-1590

3- داك نيكانقو1590-1605

4- نيدآور نيكانقو1605-1615

5- أوشلو داك1615-1635

6- ديواد أوشلو1635-1650

7- بوج ديواد1650-1660

8- آبوضوك بوج (امرأة)1660-1670

9- دوكوض بوج1670-1690

10- توقو دوكوض (وهو مؤسس مدينة فشودة المقر الدائم لرث الشلك حتى يومنا هذا)1690-1710

11- أوكون توقو1710-1715

12- ضيكور توقو1715-1745

13- موقو ضيكور1745-1750

14- واك ضيكور1750-1760

15- ديلقوط ضيكور1760-1770

16- كوديد أوكون1770-1780

17- يور كوديد1780-1820

18- أنى يور1820-1825

19- أكود يور 1825-1835

20- أوين يور1835-1840

21- أكوج أكود1840-1845

22- نيضوك يور1845-1859

23- كواضكير أكود1859-1870(عزل من الرث من قبل مدير مديرية فشودة التركى وعين مكانه أجانق نيضوك)

24- أجانق نيضوك1870-1875

25- كوجكون كواضكير 1875-1881 (طرد من العرش و هرب إلى جبال النوبا ثم قتل فيما بعد على أيدي أنصار المهدي)

26- يور أكوج 1882-1892(تولى العرش و قتل على يد المهدية عندما ثار الشلك ضدها وكان ذلك على يد زاكى طمل/أمير المهدية).

27- كور نيضوك 1892-1903(عين من قبل المهدية وأسلم فكان أول رث يدخل إلى الإسلام في تاريخ الشلك)

28- بادييت كواضكير 1903-1917

29- بابيت يور أكوج1917-1944

30- أنى كور نيضوك1944-1945

31- داك بادييت1945-1951

32- كور بابيت1951-1974

33- أيانق أنى كور 1974-1992

34- كونقو داك 1992--- (الرث الحالي الذي يتربع على عرش المملكة في فشودة)

ورغم ان هذا الترتيب لا يخلو من بعض الخلل الذى حدث، فإنه يظل صحيحاً ومطابقاً لأقوال الآباء والأجداد و العارفين ببواطن الأمور عند الشلك. ونشأ الخلل، إما لأن بعض أفراد الأسر التى يحق لها تولى عرش المملكة لم يتمكنوا من إتمام المراسم التى تقتضى ذلك، أو بسبب التدخلات الخارجية والأجنبية فيما يخص القبيلة (أقال مدير مديرية فشودة في عهد التركية الرث كواضكير أكود (1859-1870) وتم تنصيب أجانق نيضوك مكانه(1875-1870).

كذلك في ظل سياسة الأسلمة القسرية والقهرية والاسترقاق التى اتبعتها الدولة المهدية (1881-1998) ضد الشلك، فر الرث كوجكون كواضكير (1875-1881) إلى جبال النوبا حيث تولى يور أكوج العرش (1882- 1892) إلا أن الشلك لم يكونوا راضين بحكم المهدية وسياساتها القمعية المتمثلة في الأسلمة الإجبارية وتزويدهم للدولة المهدية بالمؤن والرقيق، فانتفضوا في العام 1892 مما أدى بالخليفة عبدالله التعايشى إلى إرسال مجموعة من الدراويش إلى ديار الشلك بقيادة الأمير الزاكى طمل، وبمساعدة من قبيلة النوير، تمكن الأنصار من قتل الرث/ يور أكوج وهو يدافع عن عاصمة مملكته(فشودة) وعين كور نيضوك كرث (1892-1903) من قبل المهدية فاعتنق الإسلام، وكان بذلك أول رث في الشلك يدخل الإسلام، وغير اسمه إلى كور عبدالفضيل نيضوك. وهكذا ظل الرث كور على العرش حتى وصول الحملة الفرنسية القادمة من الكنغو بقيادة مرشاند ودخولها فشودة في صبيحة يوم الأحد الموافق10/ يوليو 1898. إلا أن النوير سرعان ما استدركوا خدعة المهدية بأنهم سيكونون الضحية التالية بعد القضاء على مقاومة الشلك، فاتحدوا مع الشلك في مقاومة المهدية، ووقف حملات الاسترقاق، وقد كان لهذا الاتحاد أثره الواضح في شل ووقف تقدم المهدية جنوباً.

أما الحملة الفرنسية على مناطق الشلك فلم تك قائمة على الحرب والاحتواء بقدر ما كانت حملة "لكسب قلوب وأفئدة" الشلك لصالح الفرنسيين؛ فعند قدوم مارشاند إلى فشودة قدم بندقية إلى رث / كور عبدالفضيل هديةً رغم علمه بولاء الأخيرة للمهدية، وطلب منه الانضواء تحت الحماية الفرنسية. وسرعان ما أخبر الرث كور الخليفة في أمدرمان بوصول الفرنسيين إلى فشودة. وأمام تردد الرث في قبول العرض الفرنسى، وصل تيوك، ابن الرث يور أكوج الذى قتله الأنصار، طالباً مساعدة الفرنسيين له في استعادة عرش أبيه وأسرته. في 25 / أغسطس 1898 أخبر تيوك الفرنسيين بقدوم بواخر المهدية من أعالي النهر، وهزم الأنصار على يد الفرنسيين وقبل الرث كور أخيراً بالوجود الفرنسي شريطة عدم المساس بعادات، وثقافة، وقيم الشلك ومعتقداتهم. رغم سمة الخوف التى أظهرها رث كور من المهدية، باعتبار أنه ليس سوى دمية من صنع المهدية، فإنه كان يأمل دوماً في التمتع بشيء من الاستقلال الذاتي بعيداً عن تأثير قوى خارجية، أياً كانت. كان موقفه يجسد رفض التدخل الاستعماري واستغلال الشعوب الأفريقية، لذا كان على أهبة الاستعداد لمد يد الصداقة لا الخنوع والخضوع.

في تلك الأثناء كانت القوات البريطانية- المصرية القادمة في حملة استعاد السودان قد دكت حصون الدولة المهدية وأزالت آخر قلعة حصينة فيها. وبورود نبأ التواجد الفرنسي في أعالي النيل، بدأت سلسلة من المحادثات الحادة بين بريطانيا، التى لم تكن لتتحمل وجود نفوذ أوروبي آخر في أعالي النهر، وفرنسا، التى كانت تطمع في توسيع مستعمراتها شرقاً حتى المحيط الهندي. بريطانيا كانت تعتقد بأن من يسيطر على فشودة يستطيع السيطرة على مصر، كما أن فشودة تقع في دائرة الاستراتيجية البريطانية القائمة على إنشاء خط سكة حديد يمتد من رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا حتى القاهرة في مصر.

لقد كانت فشودة تجسد في ذلك الزمان النقطة التى تقسم بها القارة السوداء من الغرب إلى الشرق، ومن الجنوب إلى الشمال. من هنا تعمدت فرنسا رفض تقديم أية تنازلات عن فشودة لصالح بريطانيا العظمى، آنذاك. كان الموقف الفرنسي بمثابة إعلان حرب لكن فرنسا رضخت للضغوط البريطانية وقبلت بالانسحاب مقابل أن تتنازل لها بريطانيا عن المغرب في أقصى شمال غرب القارة وان تخضع مصر لسيطرة بريطانيا الكلية.

لقد كان للنزاع حول فشودة مآلات عدة، على الصعيد الخارجي، تمكنت القوتان العظمتان، في ذلك الوقت، من تأجيل حرب عالمية وشيكة، ربما، إلى عام 1914. أما على الصعيد الداخلي، رجع الشلك إلى التمتع بتسيير دفة شوؤنهم وإدارة أمورهم بأقل تدخل ممكن من الخارج. ولا يخفي على أحد بأن البريطانيين واصلوا سياسة عدم التدخل هذه في شوؤن الشلك، إلا في الحدود الضيقة أو عند الضرورة أو الحاجة الماسة، وذلك إبان حكمهم للسودان حتى الاستقلال في العام 1956. وبالتالي تمكن الشلك من إثراء الثقافة السودانية والمجتمع السوداني بعاداته وثقافاته، من قبيل ذلك ألأغنية المعروف عند الشلك بـ"الجاك قوج طوم" أي، "الجاك، أعزف على العود" وهذه الأغنية تستخدم اليوم لدى القوات المسلحة السودانية وفي المهرجانات والمناسبات الكبيرة، حتى عند إعلان الانقلابات العسكرية في السودان بينما الكثيرون يجهلون مصدرها، سواء كان ذلك عن جهل حقيقي أو عن قصد.

بالرجوع إلى قائمة ملوك الشلك، نلاحظ وجود لامرأة، وهى أبضوك بوج اعتلت عرش المملكة مما يشكل الدليل على أن المرأة كانت تتمتع بكل مزايا الحكم في المملكة، على خلاف المعتقد السائد لدى الكثيرين.

مثلما تسارعت مملكة الشلك في التقدم و النمو، طفقت تتراجع بشكل ملحوظ. ففي العام 639-641 للميلاد غزا العرب مصر وفي 651 للميلاد أمر وإلى مصر الجديد/ عبدالله بن أبى السرح بغزو بلاد السودان لكن حملته فشلت و توصل إلى صيغة اتفاق مع النوبة عرفت باتفاقية البقط. كانت الاتفاقية تقضى بان يرسل النوبة عدد من العبيد إلى مصر مقابل حصول الأخير على مواد و بضاعة من مصر. لقد فتحت هذه الاتفاقية الباب على مصراعيها، كما يقال، لاستعباد واسترقاق الشلك من قبل العرب والأتراك من ثم الأوربيين و سماسرتهم من البرتغاليين، المانيين، أسبانيين، الفرنسيين، والبريطانيين. وقد كلفت هذه التجارة الشلك كثير ولا يزالون يذكرون عمليات اصطيادهم إلى أبنائهم، بحسرة والدموع تترقق من أعينهم. كما يقصون لأولادهم بطولاتهم النادرة بكل فخر واعتزاز.

فقد تزامن توسع امتداد نطاق مملكة الشلك شمالا ببداية الهجرات العربية إلى مناطق شمال السودان، فما كان للشلك من خيار سوى اللجوء إلى الدبلوماسية العسكرية لوقف تقدم الغزاة الجدد صوب أراضيهم، و كان وسيلتهم الفضلى في ذلك هي الغارات و المناوشات من على متن الزوارق النيلية (وسيلتهم في الصيد و الحرب معا). وفي لحظات اشتداد الوغى و حمى وطيس المعارك، ابتكر الشلك ما يسمونه بمنقو أقيلو- الغزاء التقليدى للشلك في شكل عينات من الذرة لكن بعد صحنها و طبخها- و يظل المرء بعد أكله من دون الحاجة إلى طعام لعدة أيام. تمكن الشلك بهذه الوسيلة من هزيمة العرب و القبائل التى استعربت في شمال السودان وقد ساعدهم على تحقيق الانتصارات عدم دراية العرب بالنيل و الحرب على متن الزوارق. ويقال أن النتيجة المباشرة لهجمات الشلك المتكررة كانت قيام السلطنة الزرقاء أو مملكة الفونج في سنار(1504-1505). و التسمية بالسلطنة الزرقاء ، فيها إشارة واضحة بان هؤلاء القوم لم يكنوا عرب أو مسلمين في المبتدأ، وبالتالي فمن المرجح أنهم شلك. ورغم دحض هذه المقولة من مؤرخين حديثا إلا أن الرحال الاسكتلندي ، جيمس بروس، زار سنار في العام 1772 وتوصل إلى خلاصة مفادها أن الفونج كانوا شلكا في الأصل. وإذا أثبتت ذلك بصورة قاطعة ، يصبح الشلك قد ساهموا في بناء الحضارة الإنسانية ليس فقط في حدود مملكتهم فحسب و إنما خارجها أيضا.

بعد أن اعتنقت الفونج الإسلام في عهد ملكهم بادي الثاني (ابودقن) [1644-1680]، شنوا هجمات شعواء ضد الشلك على امتداد النيل الأبيض حتى وصلوا جبال النوبة، ومن تلك اللحظة أصبحت مناطق الشلك و النوبة بمثابة أهداف استراتيجية في عمليات الرق [وهنا نجد أن المصير جمع الشلك بالنوبة]

آثر الشلك عدم الرد على هذه الغارات وانتظروا [حيلة الشلك في الحرب هي الصبر والصبر ثم الصبر حتى ينسى العدو] حتى عام 1684 (عام مجاعة في السودان) حينما قاموا بهجمات مضادة هدموا فيها جميع النقاط و المراكز الإسلامية التى أقيمت على النيل الأبيض حتى قرب منطقة الآس القريبة من مدينة الكوة الحالية و التى تبعد مسافة الساعة من الخرطوم العاصمة. و في تلك السنة تمكن محاربو الشلك من الوصول إلى ملتقى النيلين، ألأبيض والأزرق وبمشاهدتهم للنيلين عند ملتقاهما أطلقوا عليها لفظ " كاد اتوم" وهما كلمتان منفصلتان: كاد وتعنى النهر، وأتوم وتعنى التقاء في لغة الشلك . ومن هاتين الكلمتين اشتقت كلمة "الخرطوم" بعد استعرابها و إضافة الألف و الام" ال" إليهما، بينما يحسب الكثيرون بان التسمية أتت من " خرطوم الفيل" رمز و شعار العاصمة الذي وضع بغرض تضليل البلاد والعباد و إلهاء الناس عن حقيقة الأمر. يؤيد ما قلته أقوال الدكتور ولتر كونيجوك كذلك الدكتور لام أكول أجاوين في العام 2003 في ملتقى أقيم في الخرطوم عندما أثير موضوع العاصمة القومية وقوميتها في محادثات السلام السودانية الجارية الآن بمدينة نيفاشا الكينية و يتهيأ لي مما سبق أن الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان تملك الكثير من المصداقية في المطالبة بان تكون العاصمة قومية و خالية من أي قيود دينية كانت أم غيرها، وذلك من منطلق التاريخ ناهيك عن غيره.

صحيح أن الشلك لم يستطيعوا الصمود كثيرا بعد مجيء الحكم التركي- المصري و ذلك لسبب بسيط وهو أن أسلحتهم التقليدية لم تكن قادرة على مواجهة البنادق والمدفعية التى قدمت إلى السودان مع دخول الأتراك.مع ذلك فان الدينكا قد سبقت الشلك إلى تلك الأنحاء .

ظلت سياسة الحروب والدبلوماسية العسكرية للشلك في الشمال هي السائدة مما أثرت على حركة التجارة والقوافل التجارية التى كانت تمر عبر وسط السودان و النيل ألأبيض وفي خضم المعارك التى كانت تدور نجح الشلك في السيطرة على طريق القوافل من الغرب إلى الشرق بحيث أصبح الطريق غير سالك إلا بعد موافقتهم ، التى تكون مرهونة بالأوضاع سلما أم حربا. ففي أوقات السلم كانت القوافل تعبر المنطقة من كباية إلى سنار عبر الأبيض ومناطق الشلك على امتداد النيل الأبيض. أما في أوقات الحرب، فكان الشلك يسدون طريق القوافل مما هدى بتجار القوافل إلى التفكير في بديل فأوجدوا للقوافل طريقا من الجنوب إلى الشمال يبدأ من الأبيض عبر شندي وحتى مصر عن طريق الصحراء، وقد عرف هذا الطريق بدرب الأربعين.

حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي كانت حدود قبيلة الشلك تقف عند جزيرة آباء في وسط السودان، فالسلاح الناري لم تخمد مقاومة الشلك حتى ذلك الحين. في عام 1820 أرسل محمد على باشا ابنه إسماعيل لغزو بلاد السودان بهدف الحصول على الذهب و العبيد واكتشاف منابع النيل، بين أسباب أخر. وفي عام 1830 تمكنت الإدارة الجديدة من إقامة أول اتصال بالشلك عندما قام خورشيد باشا بأول محاولة لاستكشاف منابع النيل ، لكن الشلك هجروا قراهم في وجه البواخر النيلية التى كانت تقل المستكشفين. و في رحلة العودة أغار الشلك على هذه البواخر لكنهم تكبدوا خسائر فادحة بسبب التفوق المدفعي على الأسلحة التقليدية. مضت البواخر في سبيلها ألا أن الشلك تمكنوا من نصب كمين لاحقا استردوا فيه ممتلكاتهم من الأبقار و الأغنام ما عدا مائتي شخص أخزوا كرقيق . في عام 1839 نجح سليم قبطان في اختراق أراضى الشلك بمؤازرة الأسلحة النارية و المدفعية الثقيلة حتى وصل إلى خط عرض 5 درجة شمالا عند غندوكورو. و في نفس العام بدأت الحملات الأوربية من أجل وقف تجارة الرقيق و إلغائه تأخذ حيزا في السياسة الأوربية ولعل الدافع في ذلك لا يرجع إلى الأهداف الإنسانية النبيلة التى كان هؤلاء ينادون بها، لكن بصورة أوضح بسبب أن محمد علي باشا وإدارته في مصر، كان قد استدان مبالغ طائلة من البنوك الأوربية وعد باستيفاء تلك الديون من عائدات الرق و الرقيق وخاب حلمه لأن الشلك وقفوا بشراسة و صلابة كما حاربوا بضراوة ضد حملات الاسترقاق مما اثر سلبا على خزينة الدولة في مصر، التى لم تستطع استيفاء ما عليها من التزامات تجاه البنوك والبيوتات الرأسمالية في أوروبا، عليه قرر الأوربيون عدم جدوى هذه التجارة و طالبوا بإلغائها نهائيا. لكن، وكما هو معروف، استمرت هذه التجارة رغم الحظر المفروض عليها لسنوات عدة. قصارى القول، أن الشلك ساهموا في وقف أفظع جرائم في تأريخ الإنسانية جمعاء، ألا وهى تجارة العبيد.

مصادر:

1-The Race to Fashoda; European Colonialism and African Resistance in the Scramble for Africa. By David Levering Lewis.

2-A Modern History of the Sudan: From the Funj Sultanate to the Present Day. By P.M.Holt.Gross Press

3- A History of the Southern Sudan: 1839-1889. By Richard Gray

4-The Southern Sudan, 1883-1898: A Struggle for Control . By Robert O. Collins

5-Fashoda; The Newsletter of the North American Fashoda Association (NAFA) vol.1,Oct./Nov./Dec.2002. Issue no. 1

6- Shilluk Oral History