logo

ملكالإن الإدارة فى السودان القديم قبل إنفصال جنوب السودان ليست بالشىء الجديد ويمكن إرجاعها الى الممالك النوبية القديمة والممالك والدويلات التى اعقباتها مروراً بالحكم التركى المصرى والدولة المهدية إلا ان نشاة وتطور الخدمة العامة فى مفهومها الحديثة عام 1899 حيث اقتسمت كل من بريطانيا ومصر السيادة على السودان بموجب إتفاقية الحكم الثنائى .
فى النصف الثانى من التاسع عشر ومع بداية ظهور لمجتمع الصناعى فى دول الغرب ظهرت الحاجة الى تنظيم العلاقات بين الافراد فى المجتمع الواحد ومسئولية الحكومة القائمة نحو المواطنيين فى تنظيم شئون حياتهم وتقديم الخدمات لهم وتحديد علاقات بين اصحاب العمل والعاملين وإبتكار الوسائل والاساليب التى تساعد فى دفع عملية الإنتاج .
وفى مطلع عام 1899 قسمت الإدارة الثنايئة السودان الى ست مديريات وثلاثة محافظات المديريات هى : ( دنقلا – بربر – كسلا – سنار- الخرطوم – كردفان - ) اما المحافظات هى : ( فشودة كميناء نهرى – حلفا كميناء نهرى – سواكن كميناء بحرى ).
على راس كل مديرية يوجد مدير يسمى ( مدير مديرية ) وتحته مفتش مراكز وتبع له عدد من المامير ( مامور) ونواب مامير فى الغالب يكون المفتش إنجليزى والمامور ونائبه مصرين .
وباعادة فتح دارفور فى عام 1916 إرتفاع عدد المديريات الى حدى عشرة مديرية وهى ( دارفور – النيل الازرق – بحر الغزال – كردفان – جبال النوبة – البحر الاحمر – البحر الابيض – حلفا – دنقلا – بربر – وتغير إسم فشودة - الى اعالى النيل ) .
فى عام 1937 صدر قانون الحكم المحلى وكان الهدف السياسى من التشريع هو ( إيجاد منابر يتلقى فيها قادة الحركة الوطنية مع رجال الإدارة الاهلية فيوجهون جهدهم الفكرى فى كيفية تقديم السلع والخدمات للموطنين بدلاً من الإستقراق فى العمل السياسيى المناهض لجهاز الحكم والادارة ).
فقد حدث كثيراً من التعديل والتبديل لتلك التقسيمات والمسميات الى ان استقرت اخيراً فى عام 1948 على التقسيمات لتسع مديريات .
تعددت التشريعات للحكم المحلى وصدرت قانون الحكم المحلى فى 1960 ومن اهم ملامح هذا القانون : قضى ذلك التشريع بالقاء وظيفة مفتش المركز وتوزيع إختصاصاته بين العديد من المؤسسات الغى القانون ايضاً إدارة المديرية واقام مكانها إدارة جديدة تتشكل من : ( مجلس المديرية – مجلس تنفيزى وممثل الحكومة - ) .
صار الحاكم العسكرى هو ممثل الحكومة ورئيس مجلس المديرية الذى يضم روساء المصالح الحكومية الاساسية والهدف السياسيى لهذا القانون هو : ( إضعاف قبضة الإداريين ذوى القبعات والاشرطة الصفراء على إدارة المديريات ) ( مدير المديرية ومفتش المركز تحديداً) وإستبدالهم باخرين همهم الحكام العسكريين على مستوى رئاسة المديرية .
نشاة عن هذا التغيير لإدارة المديرية ان يعين مدير الذى صار بعد ذلك رئيساً رمزياً لمجلس منازع الولاء بينه وبين ممثل الحكومة ورئاسة الوزارة المعنية بالخرطوم .
فى عام 1971 صدر قانون الحكم الشعبى فقد كان ذلك محاولة لنيل التجربة السوفيتية فى الحكم لتمكين الحزب الحاكم ( الإتحاد الإستراكى) والإجهزة الامنية لتلعب ذات الادوار التى لعبتها فى التجربة السوفيتية . لم تتغير هذا التقسيم الا بعد قيام الحكم الإقليمى فى سنة 1980 فى عهد الرئيس الراحل جعفر نميرى وسميت المدريات الى الاقاليم والمدريات هى : ( الشمالية – كسلا – النيل الازرق – الخرطوم – كردفان – دارفور – الإستويئة – بحرالغزال – اعالى النيل ) . فى فبراير 1991 صدر مرسوم الرابع عشر بتحول السودان من نظام الحكم من الموحد الى ما يشبه الفدرالى واشير إلية باللامركزية على إنه اخذ من نظام الحكم الإتحادى مبدا قسمة السلطة بين المركز والمستوى الوسيط فى الدولة ( الولاية ) سمى هذا المستوى الوسيط ولاية بدلاً من الإقليم وسمى الحكام ولاة وفى ضؤ صور هذا المرسوم صدر قانون الحكم المحلى فى ابريل لسنة 1991 ومن اهم سماته تقليص سلطات المحافظ القوى فى التشريعات السابقة الى مجرد التنسيق لوحدات الحكم المحلى .
ومن اهم المراسيم الدستورية باتجاة الإنتقال الى الحكم الإتحادى هو المرسوم الثانى عشرفى عام 1995 الذى اوجد ثلاثة مستويات إدارية للحكم فى السودان هى : المستوى المركزى (الإتحادى ) المستوى الوسيط ( الولاية ) والمستوى المحلى ( المحلية ) .
حدد لكل مستوى سلطاته وموارده المالية . وفى ضؤ هذا المرسوم صدر قانون الحكم المحلى لسنة 1995 وهدفه الظاهر هو العناية بمستوى الحكم المحلى ولكن فى هدفه الحقيقى كان بدية التمكن السياسيى على المستوى الحكم المحلى .
كان من ضايا هذا القانون هو الضباط الإداريين كما قلص سلطات المدير التنفيزى واصبح مسئولاً لدى رئيس المحلية . فى عام 2003 صدر قانون الحكم المحلى واهم ما حدثته القانون هو : إلغاء منصب المحافظ وإسبداله بشخصية ( المعتمد) تقوية سيطرة المعتمدة على اداء اجهزة اللامركزية بجعله المسؤل الاول الإدارى والمالى والسياسى والامنى فى محليته وتراجع دور الضابط الإدارى اكثر فاكثر بتغليب الولاء على الكفاءة الإدارية فمن الممكن اختيار المعتمد بدون مراعاة لاية كفاءة إدارية .
ولكن هذا النظام الجديد لم يستمر لاكثر من عامين فقد ابرمت إتفاقية السلام الشامل فى 2005 وصدر الدسور الإنتقالى فى ذات العام واهم ما ترتبت علية الوثيقتين الهامين هو جعل الحكم المحلى شاناً ولائياً : تحدد الولاية السلطات والإختصاصات والموارد للمحليات ( المقاطعات ) بتشريع ولائيى .

إن ظاهرة المدن ذات الوظيفة المزدوجة باعتبارها عواصم للحكومة القومية او المركزية والمحلية فى ان واحد ليست بظاهرة غريبة فى العالم .
وقد تعددت انماظ هذه المدن وبعضها إستحدث إيجاد واحدات إدارية منفصلة لاداء المهمتين وكانت نيجيريا مثلاً حياً لذلك فى القارة الافريقية . والخرطوم قدمت مثالاً اخر فى هذا الصدد وكذلك جوبا حالياً كعاصمة لجمهورية جنوب السودان منذ 9 يوليو 2011 وكعاصمة لولاية الإستويئة الوسطى ورئاسة لمقاطعة وعمدية لمدينة فى نفس الوقت .
تاريخيا ً المكان الذى يوجد فيها مقاطعة ماكال ( ملكال ) كانت مناطق زراعية لقرى الضفة الغربية لنيل وهذه القرى هى : ( وراجوك – كوقو – ليلو – اوبوه ) وذلك فى عهد الحكم التركى المصرى عندما كان نقطة الحكومية فى منطقة( توفقية ) على بعد عدة اميال جنوب ملكال التابعة لمصلحة الغابات قبل ترحيلة الى الحيز المكانى التى توجد فيها المدينة حاليا ً وذلك لغرض منع تجارة العبيد لان هذا المكان الجديد هى نقطة التقاء النهرين ( كير – ولول) وذلك فى عهد الحكم الثانئى ولو كان سكان تلك القرى يعرفون مفهوم التعويض فى ذلك الوقت لكان من المحتمل ان طالبوا لتعويض نسبة لفقدانهم لمزارعهم !! .
مفهوم العمدة فى السودان سابقا ودولة جنوب السودان حالياً هى نوع من الإدارة العشائرية تتخذ عادة شكلاً هرمياً قاعدته ( شيخ) القرية الذى يكون مسئولاً عن ارباب الاسر وهذا الشيخ يكون مسئولاً لدى ( العمدة ) الذى يكون مسئولاً بدوره لدى الشيخ الاكبر( الناظر) على مستوى القبيلة باسرها وتتعدد مسمياته من مكان لاخر ومن قبيلة لاخرى .
ولكن فى الدول التى توجد بها مسمى وظيفة ( عمدة لمدينة ) مثل : نيويورك – لندن – باريس فى هذه العواعصم لا توجد وظيفة المحافظ حرصاً منهم لعدم تضارب السلطات والواجبات والاختصاصات والصلاحيات وايضاً هذه الوظيفة يتم شغلها بالانتخابات فى هذه العواصم وليس بالتعين السياسيى او الولاء القبلى او خلافه بل يتم ذلك وفقاً لموصفات الكفاءة الإدارية بغرض تقديم الخدمات لسكان المدينة .

ولكن هناك تحديات فى هذا الوضع وينشاء التحدى الاول : فى الحاجة الى التوفيق بين وإختصاصات العاصمة الولائية بالاضافة الى إختصاصات المقاطعة وعمدة المدينة فى نفس الوقت .
مقاطعة ماكال ( ملكال ) بصفتها عاصمة لولاية يجدر بها معاملة كل مواطنيها على قدم المساواة وبصفتها رئاسة لمقاطعة يجب ان تخضع لرغبات اغلبية مواطنى المقاطعة الاصليين مثل اى مقاطعات اخرى على مستوى الولاية .
والتحدى الثانى الذى يوجه مقاطعة ماكال ( ملكال ) : يتمثل فى تلبيلة مطالب ساكانها الاصليين والمهجرين الاخرين على التوالى الذين اتوا فى مناطق اخرى واستقروا بالمدينة لظروف اعمالهم فى الموسسات الولائية بالمقاطعة واذا هذا الحالة قد اصبح سكان المقاطعة الاصليين يعتقدون ان سكان المدينة المهجرين قد إنتزعوا حقوقهم كسكان الاصلين .
أن القلق الذى يساورنا فيما يتعلق بتلك التحديات هى قضية العاصمة والعلاقات البينية الحكومية بين الحكومة الولاية ورئاسة المقاطعة ووزارة الحكم المحلى وعمدة المدينة من جانب اخر.
والسؤال المحورى هو : ما الذى يجب فعله فيما يتعلق بالاختصاصات المتصاربة للحكومة الولاية من جهة والمقاطعة من جهة اخرى ؟ .ما الذى يجب فعلة فيما يتعلق بالمصالح المتضاربة لمجموعات المهجرين لمدينة لظروف اعمالهم فى المؤسسات الولائية والسكان الاصلين من ناحية اخرى .

وختاماً وفى تقديرى الشخصى العبرة ليست فى تقليد الاسم لعمدة المدينة كما فى الدول الاخرى ولكن يجيب ان يعلم متخذى القرار ومخططى الاهداف بان لكل مجتمع خصوصياته وظروفه وعادته الخاصة به وما حدث لمحافظ مقاطعة ماكال (ملكال ) من تجريده وتحويل إختصاصاته وواجباته وسلطاته الى عمدة المدينة وإحتلال مكاتب الفيمات وقفلها هذا الامر غير مقبول سياسياً حتى لوكانت ذلك شخص اخر غير المحافظ الحالى .
ولكى لايثير هذا الاجراء مشاعر لا غنى عنها لسكان المقاطعة الاصليين فى الوقت الحالى الحرجة لدولة جنوب السودان ويصل الناس الى المطالبة بترحيل العاصمة من المقاطعة لاى مكان اخر كما حدث لعاصمة الجنوب بجوبا حالياً .
لذلك ارجو الغاء منصب العمدة او تحديد سلطاته حصرياً بواسطة الدستور او قانون وليس خصما ً من سللطات المحافظ او تطبيق هذا المنصب على كل عواصم الولايات الجنوب كافة او يتم ذلك بالانتخابات وفقاً لموصفات لشاغلها تحددها الدستور القومى اوالولائى او القانون .


This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.