logo

بقلم: عبد الشكور هاشم درار---لندن

حق تقرير المصير هو حق لشعب جنوب السودان نصت عليها اتفاقية السلام الشامل الموقعة عليها بين المؤتمر الوطني ممثلا للنظام الحاكم بالسودان و الحركة الشعبية للتحرير السودان عام 2005م  بدولة كينيا. ونصت دستور السودان الانتقالي لعام 2005م  والتي مصدرها اتفاقية السلام الشامل بإجراء استفتاء بعد خمسة اعوام من توقيع الاتفاق ليحدد شعب جنوب السودان الإنفصال او البقاء كجزء من الدولة السودانية، ولم يتبق لموعد إجراء الإستفتاء إلا ايام تكاد تكون قليل جداً للترتيب لها بطريقة جيدة.

ولكن روح الاتفاق حثت  طرفي إلاتفاقية بالعمل لخيار الوحدة والتي تقع على عاتق المؤتمر الوطني بنسبة اكبر من الحركة الشعبية إلا أن كل الدلائل والمؤشرات تدل على ان إلانفصال واقعة حتميّة الى حين إجرائها و اعلان ميلاد دولة جديدة التي أٌختِير لها نشيدها الوطني.

جنوب السودان جزء اصيل من الدولة السوداتية ليس مثل دارفور التي اصبحت جزء من السودان لأول مرة في عام 1874م عهد الحكم التركي وانفصل عنها عام 1898م  بعد سقوط الدولة المهديّة وتم ضمها مرة اخرى في اطار السودان الموحد عام 1916م ابان إلاستعمار البريطاني للسودان. ومنذ ذلك الوقت صارت السودان محتفظاً بكامل حدودها الجغرافية حتي بداية التسعينيات من القرن الماضي الى ان احتلت مصر مثلث حلايب.

عندما بدأت المشورات في عام 1954م وما قبلها بين الحكومة البريطانية و المصرية من جهة و السلطة السودانية غير ذات سيادة بزعامة السيد اسماعيل الازهرى من جهة اُخرى لمنح السودان استقلالها وفي اثناء هذه المشورات عرضت السلطات البريطانية حق تقرير المصير للساسة الجنوبيين بتكوين دولتهم الخاصة بهم بحيث لا تربطهم علاقة بالشمال إلا ان الساسة الجنونبيين رفضوا هذا العرض واصروا على إبقاء الجنوب كجزء من السودان فى اطار الوحدة مع الشمال . وايضا لعب الساسة الشماليين دورا كبيراً في اقناع الساسة الجنوبيين برفض العرض البريطاني على اساس لا شمال بلا جنوب ولاجنوب بلاشمال دولة سودانية موحدة بنظام حكم فدرالي. وهذا كان اوّل اختبار للوحدة التي حَرُص عليها الجنوبيين قبل الشماليين. ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟

بعد منح السودان إستقلالها انكر الساسة الشماليين حق الجنوب في الحكم الفدرالي وكان هذا اول نقض للمواثيق و العقود في حق شعب جنوب السودان و اتضح ان الوحدة التي كانت تنشُدها الساسة الشماليين هي وحدة إستدراجية ولست إستراتجية، ونتج عن ذلك النقض غبن في نفوس الجنوبيين والاتجاه نحو التمرد والذى اشتعلت نيرانه في الجنوب حيث كلفت الشمال كثيرا و ضحت الجنوب كثيراً.

في عام 1972م وقع حكومة جعفر نميري مع حركة جنوبية متمردة معروفة بالثعبان السام(انانيا) اتفاقية سلام باديس ابابا العاصمة الاثيوبية و انهت حربا اهلية دامت عشرة سنوات  إلا ان جعفر نميري نقض إلاتفاقية وذلك بتقسيم الجنوب الى عدة اقاليم خرقا لنصوص اتفاقية اديس ابابا والتي ادى ذلك الى اشتعال التمرد مرة اُخرى بجنوب السودان.

في عام 1997م تم توقيع اتفاقية الخرطوم للسلام بين قيادات منشقة من الحركة الشعبية للتحرير السودان و الموتمر الوطني(النظام الحاكم بالسودان) في الخرطوم إلا انها لم تصمد طويلاً بسبب نقض المواثيق والعقود التي إعتادت عليها انظمة الحكم بالسودان على اثره غادر الزعيمان راك مشار و لام كوم الخرطوم الى الغابة مرة اخرى والرجوع الى الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق، وقيادات اخرى اطراف في هذة الاتفاقية قام الموتمر الوطني بتصفيتهم ومنهم كاربينو كوانيين.

سلسلة من إلاتفقاقيات و آخرها إتفاقية نيفاشا في عام 2005م وستكون خاتمة إلاتفاقيات بين الشمال و الجنوب لانها بموجبها سيقرر شعب جنوب السودان مصيرهم الذي يفترض يقرروه قبل نصف قرن.

ظل المؤتمر الوطني يماطل كثيراً في تنفيذ اتفاقية السلام الشامل الي ان اوصلت الحركة الشعبية مرحلة تجميد مشاركتها في حكومة الوحدة الوطنية نتيجة لهذا التماطل،مثلاً ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب يفترض ان يحسم بعد ست اشهر من توقيع إتفاقية السلام ولكن استمرت خمس سنوات ومازالت من القضايا العالقة الى ان حان موعد الاستفتاء، وهنالك قضايا عالقة كثيرة مثل قضية ابيى و تقاسم الثروة ما بعد إلاستفتاء وترتيبات مابعد إلاستفتاء.

فجنوب السودان جربت الوحدة مع الشمال منذ إلاستقلال ما يزيد عن نصف قرن من الزمان تمخض عنها نتائج سالبة ظل يتجرعها المواطن الجنوبي في حياته اليومية الى يومنا هذا من فقر وجهل و مرض و نزوح ولُجوء وإنتهاكأت، ومن كبائرها نقض إلاتفاقيات و المماطلة في تنفيذها بمختلف ازمانها مع الانظمة الحاكمة للسودان الى ان وصلت مرحلة اعلان الجهاد ضد شعب جنوب السودان بإعتبارهم أعدا للعروبة وإلاسلام ومن سلم منهم يُعامل على اساس انه مواطن من الدرجة الرابعة مقهور اجتماعياً ينظر اليه دائماً بالإستعلاء العرقى و الثقافي. فالشمال المسلم يسود بينهم الإستعلاء العرقي و الثقافي و تباين في درجات المواطنة والصراع القبلي وتعاني من نزاعات مسلحة في دارفور وكردفان وشرق السودان فكيف يعيش المواطن الجنوبي المسيحي والاديني فهذ الوسط الممزق فان عاش فيه لا إعتبار له.

السودان في الواقع دولتان او اكثر، دولة مدنية علمانية قائمة على المواطنة هي اساس الحقوق و الواجبات في الجنوب والدولة متلاطمة كتلاطم الامواج لم يتضح امرها بعد في الشمال. فمخاطر إلانفصال التي يدعيها المؤتمر الوطني حال انفصال الجنوب بحدوث صراع عرقي تؤدي الي نسف إستقرار الجنوب فهذا الواقع ماثل في الشمال اكثر من الجنوب فلم تشهد جنوب السودان حرباً اهلياً منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل عام 2005م حتي إلاضطرابات القبلية التي تحدث في الجنوب من حين لاخر هي مفتعلة من قبل المؤتمر الوطني لتقويض إستقرار الجنوب و السعي لإفشال حكومته.

فالإنفصال هو الخيار الوحيد الذي يكفل لشعب جنوب السودان حقوقهم بإعتبارهم مواطنيين حقيقيين في دولة مدنية اساسها المواطنة و إنفصال الجنوب ايضاً يساعد بقية اقاليم السودان الخروج من سيطرة الدولة المركزية. بالرغم من ان المؤتمر الوطني يسعى للحيلولة دون قيام إلاستفتاء في موعدها، على الحركة الشعبية ان تتمسك بإجراء إلاستفتاء في موعدها وفق الدستور والاتفاقية وتعمل على ضمان إجرائها ونجاحها بإشراف و مراقبة و تمويل الامم المتحدة والاتحاد الاروبي والاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية.